أهمية المجتمع في الأزمات العالمية، تأتي من قدرته على المساهمة في تعافي الدول من هذه الأزمات التي أحياناً ما تكون عابرة للحدود. المجتمعات المحلية بات يُعول عليها في مواجهة التحدي الراهن، المتمثل في جائحة كورونا، وأصبحت السلوكيات المجتمعية الواعية والمسؤولة شرط الانتصار على جائحة كوفيد-19، التي أثرت على جميع جوانب الحياة، وعطلت سبل العيش الطبيعية لفترات يصعب التنبوء بها. على الرغم من أن الأزمات الوبائية ليست جديدة، حيث سبقتها سلسلة من أزمات مشابهة تسببت في مقتل الملايين، فإن قوة الدولة الحقيقية تتناسب طردياً مع حالة الاطمئنان التي يشعر بها أفراد المجتمع أثناء التصدي لحدة الأزمة.
وفي عصر العولمة والارتباط الاقتصادي والتكنولوجي، لا يمكن التنبوء بالسلوك الاجتماعي فقط من خلال قياس مستويات جودة الحياة، لأن تأثير التداعيات الخارجية على بعض المجتمعات الأخرى، التي تتفافم فيها المشكلات الصحية والاقتصادية واللوجيستية، قد يدفع بعض أطيافها إلى الانقسام، ولذلك فإن الوعي المجتمعي تزداد أهميته لأنه يتجاوز الحياة الكريمة إلى الحصانة ضد اختراق أيديولوجيات الجماعات الإرهابية، مثل «الإخوان» وانتهازيتهم في التحريض على الإجراءات الحكومية الاحترازية من إغلاق المساجد، كخطوة للحفاظ على الأرواح.
ولقد صاغت دولة الإمارات، منذ تأسيسها، معادلة اجتماعية فريدة من نوعها، جعلت منها نموذجاً تنموياً يعتمد على المواطن والمقيم، أي على الإنسان الذي هو نواة تقدم الدولة، وأيضاً على رؤية إنسانية في التعامل مع الأزمات في الخارج، فإن المساعدات الخارجية التي قدمتها الإمارات إلى أكثر من 40 دولة، وإجلاءها لرعايا الدول الاجنبية والعربية ممن كانوا عالقين في مدينة ووهان الصينية، ووفرت لهم الإقامة في المدينة الإنسانية في أبوظبي، خطوات تؤكد رسالة الدولة الإنسانية، وفي الوقت نفسه ترسخ روح الطمأنينة في مجتمعها، وتؤكد فعالية الدولة في إدارة أزمة جائحة كوفيد- 19 في الخارج والداخل.
وقد اعتمدت الإمارات أفضل الممارسات الدولية في صيانة التوازن المجتمعي أثناء الأزمة، حيث شهدنا الإحاطة الإعلامية اليومية ومخاطبة المجتمع يومياً، بكل شفافية، عن أعداد الفحوصات التي قاربت على المليون والنصف وإعلان اعداد المتعافين، مما يدفع نحو التفاؤل والنظر إلى مرحلة ما بعد كورونا. وقد تدرجت الدولة في إجراءات حظرها من أجل التعقيم وضمان التباعد الجسدي، مما زاد من قدرة المجتمع على امتصاص الصدمة، وعزز الصحة النفسية للأفراد، وقد أدى ذلك إلى الإقبال الكبير للتطوع من كافة الكوادر والمواهب، وترك لنا صورة جميلة في الانسجام الوطني. كما استطاعت المؤسسات الاجتماعية تحويل المعضلة إلى فرصة في المسؤولية المجتمعية، عبر إطلاق مبادرات مثل «معاً نحن بخير» لدعم الأفراد والعائلات المتضررة، ومبادرة «صندوق الإمارات وطن الإنسانية» للحد من التداعيات الاجتماعية وغيرها.
ومن المتوقع، لاحقاً، أن يتم وضع سجل محلي للمخاطر الاجتماعية المحتملة أثناء الأزمات في معظم المجتمعات الحديثة، بحيث يحدد كافة الجوانب المتأثرة بالأزمة والتي تطال الفرد والأسر، ويبني على أثرها سياسات متكاملة مع مختلف القطاعات الحيوية، تضمن التوازن بين الصحة والاقتصاد والأمن، وغيرها من روافد حيوية في المجتمع. الدور المجتمعي المأمول يحتاج دوماً إلى توازن، لأن التفاؤل المفرط قد يساعد في انتشار الوباء بين أفراد المجتمع، وكذلك التشاؤم قد يفاقم حدة الأزمة على صعيد نقص الغذاء أو الدواء، أو الرضوخ لإشاعات غير مبررة، قد تكون مرتبطة بمجتمعات أخرى لديها ظروف خاصة، من حيث فقدان الوظائف، أو زيادة الضرائب.
 *باحث إماراتي في القضايا الجيوسياسية