تُقاس قوة الدول بمدى قدرتها على استشراف المستقبل، وامتلاك أدواته المختلفة، وهذا أهم ما يميز دولة الإمارات العربية المتحدة التي حددت لنفسها منذ نشأتها هدفاً استراتيجياً في أن تكون في الصفوف الأمامية على المستوى الدولي، ووضعت الخطط الاستراتيجية والرؤى المستقبلية الطموحة التي تمكنها من تحقيق هذا الهدف، والتعامل بكفاءة مع مختلف الأزمات أو التحديات التي يمكن أن تواجه مسيرتها التنموية.
حينما تم الكشف عن وباء «كوفيد - 19» في ديسمبر 2019، أصيبت معظم حكومات دول العالم بالصدمة، في ظل ما ترتب عليه من تداعيات كارثية، نتيجة الإغلاق التام للدول والمدن والحدود الدولية ووقف حركة الطيران والاقتصاد، وغيرها من الإجراءات التقييدية، لكن حكومة الإمارات استطاعت أن تتعامل مع هذا الواقع العالمي الجديد الذي خلفه وباء كورونا، وتخفف من تداعياته التي لا تزال تتفاعل حتى يومنا هذا، لأنها استعدت مبكراً لهذه النوعية من الأزمات العالمية شديدة التعقيد، ووضعت الآليات التي تمكنها من التعامل معها بكفاءة، وليس أدل على ذلك، من أنه في الوقت الذي قامت فيه معظم دول العالم بتقليص العام الدراسي للحد الأدنى أو تجميده بنهاية الفصل الأول، إلا أن الإمارات تواصل حتى الآن استكمال العام الدراسي من خلال التعليم عن بُعد، لأنها تمتلك البنية التحتية والتقنية والمعلوماتية التي تمكنها من مواصلة العملية التعليمية بكل سهولة ويسر، وذلك نتيجة استثمارها الاستراتيجي في السنوات الماضية في التعلم الذكي، والعمل على تعزيز دور التكنولوجيا في التعليم.
نجاح حكومة الإمارات في التعامل مع تداعيات وباء كورونا على الصعد المختلفة لا يؤكد فقط سلامة نهجها في التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى، وتوقع ما تحتاجه حكومات المستقبل من آليات تمكنها من التعامل مع الأزمات والكوارث الطارئة والمحتملة، أياً كانت طبيعتها ودرجة تعقيدها، وإنما هو دليل أيضاً على جاهزيتها لمرحلة ما بعد كورونا، والانطلاق بخطى ثابتة وواثقة نحو المستقبل بفكر مختلف ورؤى غير تقليدية تعتمد على الابتكار والإبداع في تسيير شؤون القطاعات المختلفة، وهذا كان محور فعاليات اجتماع حكومة الإمارات الذي عُقد عن بُعد الأسبوع الماضي بعنوان «الاستعداد لمرحلة ما بعد كوفيد - 19»، والتي شهدت مناقشات ثرية لدراسة التداعيات المختلفة التي ترتبت على هذا الوباء، وكيفية الارتقاء بأنظمة العمل الحكومي والخاص، وتطوير منظومة العمل والإنتاج، بحيث تكون قادرة على الاستمرارية بالكفاءة نفسها في أوقات الأزمات والكوارث الطارئة مهما كانت نوعيتها.
تدرك الإمارات أن عالم ما بعد كورونا يختلف عما قبله، ولهذا فإنها تستعد له من الآن بخطط مدروسة ورؤى استراتيجية عميقة تقوم على الاستفادة من الخبرات كافة والتجارب الدولية، وتأخذ في الاعتبار المتغيرات التي ترتبت عليه في مختلف المجالات، وتترجم ذلك كله في تطوير منظومتها للعمل الحكومي المستقبلي، كي يكون أكثر قدرة وفاعلية في إدارة وتسيير القطاعات المختلفة وفي مختلف مجالات العمل الوطني، والارتقاء بمستوى الخدمات الحكومية التي يتم تقديمها لأفراد المجتمع، وتحقيق أهداف القيادة الرشيدة في تعزيز مكانة الإمارات في عالم ما بعد كورونا.
إن نجاح الإمارات في إدارة أزمة وباء كورونا وتخفيف تداعياته المختلفة، جعل منها تجربة يحتذى بها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وأظهر بالفعل أنها تمتلك خبرات وقدرات نوعية في مختلف القطاعات تؤهلها بالفعل لأن تكون قوة فاعلة ومؤثرة في إدارة أية أزمات دولية مماثلة في المستقبل، فقد قادت الجهود الإنسانية العالمية التي ساعدت العديد من الدول، خاصة تلك التي تعاني من ضعف المنظومة الصحية والوقائية، على احتواء تفشي وباء كورونا، كما انخرطت بفاعلية في حركة البحث العالمية الساعية إلى إيجاد علاج لوباء كورونا من خلال الإنجاز الطبي الفريد الذي توصل إليه فريق العلماء والأطباء والباحثين في مركز أبوظبي للخلايا الجذعية في تطوير علاج بالخلايا الجذعية لفيروس «كوفيد - 19».
الإمارات دائماً كانت صاحبة المبادرات الرائدة في تطوير العمل الحكومي خلال السنوات القليلة الماضية، فمنها انطلقت «القمة العالمية للحكومات» التي استطاعت منذ بداياتها عام 2013 أن ترسم معالم حكومات المستقبل، وباتت أهم منصة دولية لعرض أفضل الممارسات والحلول الذكية التي تحفز على الإبداع والابتكار في العمل الحكومي، وها هي الآن في إطار استعداداتها لمرحلة ما بعد كورونا، تؤسس لمرحلة جديدة من حكومات المستقبل تتسم بالرشاقة والمرونة والفاعلية والديناميكية، وترتكز على تطوير منظومة العمل الحكومي، وجعلها أكثر سرعة في مواكبة الأولويات الوطنية في المجالات كافة، وبما يناسب عالم ما بعد كورونا.