أقل ما يقال في الترحيب الدولي والإقليمي الواسع بحكومة مصطفى الكاظمي، أنه مؤشر إيجابي على إعادة التوازن للعراق في علاقاته الخارجية، وعدم الانحياز لدولة دون أخرى، أو محور على حساب آخر. وهذا ما عبر عنه الكاظمي نفسه في لقائه سفير إيران في بغداد «إيرج مسجدي»، عندما أكد حرصه «على إقامة أفضل العلاقات مع جميع دول الجوار بما يخدم المصالح المشتركة»، وإعلانه إثر لقائه سفير الولايات المتحدة «ماثيو تولر»، أن العراق «لن يكون ساحة لتصفية الحسابات والاعتداء على أي دولة جارة أو صديقة»، مؤكداً على «ضرورة التعاون والتنسيق بين بغداد وواشنطن في المجالات الاقتصادية والأمنية، والعمل على حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة وإبعادها عن المخاطر».
ولتحقيق تطلعاته، يملك الكاظمي ثلاث ركائز قوة: الأولى علاقة متينة مع الولايات المتحدة، عززها التعاون خلال مرحلة الحرب على تنظيم «داعش». والثانية تجديد خط التواصل مع إيران التي استثمرت ذلك، بوضع ثقتها به كشخصية قادرة على نزع فتيل الأزمات الحادة التي يواجهها العراق. أما الركيزة الثالثة، فهي علاقة أكثر من جيدة مع المملكة العربية السعودية، وقد لعب دوراً مؤثراً في تعزيزها منذ توليه منصب رئيس جهاز المخابرات عام 2016، وهو يتطلع إلى تطويرها، مستفيداً من علاقة صداقة تربطه بولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تمهيداً لاستعادة دور العراق الرائد في العالم العربي، واستثمار رصيده في إنقاذ اقتصاده المتدهور وتمويل إعادة إعماره، وذلك انطلاقاً من أن «الاستقرار الإقليمي» هو ضمانة كبرى لنجاح الاستثمار في المشاريع العربية المشتركة، بمختلف أنواعها وأهدافها. ويأتي ذلك منسجماً مع دوره منذ كان بين ست دول أسست جامعة الدول العربية في أربعينيات القرن العشرين، وهو يرى على مر التاريخ عمقه الاستراتيجي في العالم العربي كله من المحيط إلى الخليج، وأن موقعه الجغرافي يساعده على تحقيق مصالحه.
لقد واجه العراق، وما يزال، أخطاراً على مستوى الأمن والمؤسسات، هي الأعلى بين كل الدول السيادية. وتواجه حكومة الكاظمي حالياً ما يشبه «الكارثة المالية» مع تراجع أسعار النفط وتفاقم انتشار وباء كورونا، وهي مضطرة إلى إعادة النظر في مشروع موازنة العام الحالي، التي لم يقرها مجلس النواب بعد، والتي تتضمن نفقات مقدرة بنحو 136 مليار دولار، مقابل 95.7 مليار دولار كإيرادات، على أساس 53 دولاراً كسعر لبرميل النفط، وبعجز قدره 40.3 مليار دولار، لكن هذا العجز سيتضاعف مع تراجع الأسعار إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل.
ومع تراكم العجز المالي، يتطلع العراق في خططه المستقبلية إلى مضاعفة إنتاجه النفطي من 4 ملايين برميل يومياً، إلى 8 ملايين برميل يومياً، بين عامي 2021 و2030. وبما أن العراق بحاجة إلى أن يوازي عملية الإنتاج والتسويق، فهو يعتزم مد شبكة خطوط أنابيب داخلية وخارجية لتصدير النفط الخام إلى الأسواق العالمية. ومن هنا تبرز أهمية إعادة تشغيل خط أنابيب تصدير النفط العراقي، عبر الأراضي السعودية، إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، والذي أغلق عام 1990 بعد الغزو العراقي للكويت. وتقدر طاقته بنحو 1.65 مليون برميل يومياً، وكذلك مشروع خط أنابيب بين البصرة في العراق والعقبة في الأردن، بطاقة مليون برميل يومياً، وقد تأخر تنفيذه بسبب الأوضاع الأمنية، خصوصاً أن الخط سيمر داخل محافظة الأنبار التي كانت محتلة من قبل تنظيم «داعش»، وقد اتفق مؤخراً البلدان على تسريع خطوات التنفيذ.