منذ تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة، اتّخذت القيادة الحكيمة للدولة من خدمة الإنسانية شعاراً ومنهجاً لها. فمتى ما ألمّت ببلد أزمة أو كارثة طبيعية، تكون الإمارات في طليعة البلدان التي تهب لمساعدة مَن يعانون من هذه الكوارث، حتى ولو كانت في أبعد مكان من العالم. ووباء فيروس كورونا واحدة من هذه الأزمات التي أدت إلى تعزيز التعاون بين بلدان العالم في عدد من المجالات.
الهند ودولة الإمارات، اللتان تربط بينهما علاقات استراتيجية، بادرتا إلى مساعدة بعضهما بعضاً في إطار من الصداقة العميقة والرغبة القوية في خدمة الإنسانية من أجل محاربة انتشار الوباء بشكل مشترك. وفي مؤشر واحد فقط على قلقهما بشأن انتشار الفيروس والحد من خطره، بعثت الحكومة الهندية الدفعة الأولى من 88 طبيباً ومهنياً في مجال الرعاية الصحية إلى الإمارات من أجل دعم الأصدقاء الإماراتيين في معركتهم ضد الوباء. ومن جانبها، اتخذت دولة الإمارات خطوات من أجل دعم الجهود الهندية في محاربة وباء كوفيد-19، عبر إرسال 7 أطنان من الإمدادات الطبية إلى نيودلهي.
والهند، التي تُعرف أيضاً بالعاصمة الصيدلانية للعالم، نظراً لقدراتها في مجال صناعة الأدوية، تعتزم كذلك إرسال 34 مليون حبة إضافية من دواء «إيدروكسيكلوروكين» إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. وستكون تلك الدفعة الثانية من الأدوية التي ترسلها الهند. ذلك أن الشحنة الأولى التي تتألف من 5.5 مليون حبة، كانت نيودلهي قد أرسلتها قبل أسبوعين. وهذا التعاون هو مثال واحد للطريقة التي يستطيع بها البلدان مساعدة بعضها بعضاً في زمن اللايقين، مع تفشي الوباء عبر العالم. وإلى أن يتم إيجاد لقاح يقي من الفيروس، من الواضح أن البلدان في حاجة لمساعدة بعضهما البعض. والهند مستعدة للمساعدة، بفضل صناعتها الدوائية المتطورة، وقدرتها على زيادة إنتاج اللقاح بسرعة، حين يتم إيجاده.
الهند ودولة الإمارات العربية المتحدة ازدادتا تقارباً في السنوات الأخيرة، على خلفية العلاقات المتينة والرغبة القوية في تعزيزها أكثر. ذلك أن الإمارات هي ثالث أكبر شريك تجاري للهند بعد الصين والولايات المتحدة، وذلك في مؤشر واحد فقط على أهمية هذه العلاقة بين البلدين. وتشكّل العلاقات الاقتصادية والتجارية، التي تزداد تعمقاً، القاعدة لنمو العلاقة التي تنوعت على مدى السنين. فالتجارة بين البلدين، التي كان يبلغ حجمها 180 مليون دولار سنوياً خلال عقد السبعينيات، ارتفعت اليوم إلى 60 مليار دولار، ما جعل من الإمارات ثالث أكبر شريك تجاري للهند خلال السنة المالية 2018-2019. وفضلاً عن ذلك، فإن الإمارات هي ثاني أكبر وجهة تصديرية للهند، وذلك بمبلغ يفوق 30 مليار دولار في سنة 2018-2019.
في 2015، عندما زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي دولة الإمارات العربية المتحدة، وكانت أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي إلى الإمارات منذ 35 سنة، اكتست تلك الزيارة أهمية بالغة، لأنها أشرت إلى بداية عهد من العلاقات الاستراتيجية، وحدّدت الاتجاه في عدد من المجالات المهمة، مثل الأمن والدفاع والتعاون في مجال محاربة الإرهاب. وخلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، للهند في 2016، اتفق البلدان على تعزيز تعاونهما أكثر في عدد من المجالات الحيوية، بما في ذلك الإنتاج المشترك في مجال الدفاع، والأمن السيبراني، وعلى التعاون بشكل خاص في تقاسم أفضل الممارسات التقنية في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وكذلك في تكنولوجيا الفضاء.
وفي السيناريو الحالي، من الواضح أن الصحة تمثل مجالاً ممكناً جديداً للتعاون بين البلدين على خلفية الوباء، إذ هناك إمكانية كبيرة جداً للدخول في جهود مشتركة للبحث والتطوير. ذلك أن التعليم الطبي في الهند متطور ومعاهده مشهورة وتحظى بالاحترام دولياً. وبالمثل، فقد طوّرت الإمارات بنية تحتية عالية الجودة في مجال العلوم الطبية. وبالتالي، وبالنظر إلى المهنيين الطبيين الذين يتمتعون بمهارات عالية في الهند، وإلى البنية التحتية الطبية عالية الجودة التي تتوافر عليها الإمارات، يستطيع البلدان الدخول بنجاح في برامج مشتركة للبحث والتطوير في المجال الصيدلي، من أجل ابتكار أدوية تنفع البشرية وتنقذ العالم من مثل هذه الكوارث الوبائية.
وبالنظر إلى العدد الضخم من المغتربين المقيمين في الإمارات، والذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة، فلا شك أن التعاطي مع مخاطر الوضع الوبائي ليست مهمة يسيرة على أية حال. غير أن جهود المسؤولين والوزارات المعنية بالتعاطي مع الوضع، جديرة بالثناء، ويمكن وصفها بالمثالية. ولا شك في أن الملاحق التي نشرتها صحيفة «الاتحاد» بلغات أجنبية، مثل الأوردية والمليبارية والنيبالية والفلبينية، من أجل إرشاد وتوجيه المقيمين بلغاتهم حول طرق الوقاية من الفيروس، تشي بالكثير عن العناية والأهمية الكبيرة التي توليها قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة لسلامة العمال والمهنيين الأجانب ورفاهيتهم في كل مناطق الدولة.