هناك تفاوت في تعامل مختلف الدول مع أزمة كورونا اقتصادياً، وذلك وفقاً لهيكلية العلاقة بين المهني والإداري المبني على التجارب التاريخية للتطور الاقتصادي لهذه الدول، وعلى طبيعة الإدارة الاقتصادية فيها، وهو ما ستكون له تداعيات على كيفية إدارة الأزمة من جهة، وعلى سرعة الخروج منها من جهة أخرى.
في كل الأحوال، هناك جانبان أساسيان لا بد لكافة البلدان من أخذهما بعين الاعتبار، للمساعدة في تجاوز الأزمة، وإنقاذ الاقتصادات المحلية، والإسراع في عملية التعافي، أولهما دعم السيولة المحلية التي من دونها لا يمكن تخطي العواقب، فالولايات المتحدة ضخت من خلال التسيير الكمي 7 تريليونات دولار، وهو ما يعادل ثلث الناتج المحلي الإجمالي، في حين اعتمد الاتحاد الأوروبي حزمة دعم بقيمة 500 مليار يورو، وكذلك فعلت بريطانيا والصين وروسيا ودول مجلس التعاون الخليجي.
بالارتباط مع عملية دعم السيولة، هناك أمر آخر لن تعمل هذه الآلية من دونه، أي كيفية إدارة هذه السيولة بصورة مهنية، وتوجيهها بكيفية صحيحة، وعدم اتخاذ قرارات تحد من تأثيراتها، كسحب السيولة من خلال قرارات مضادة تقلل من فعاليتها، إذ إن التوليفة الصحيحة بين هذين المكونين، ستتيح معالجة الكثير من التداعيات وتخطيها بالسرعة الممكنة.
والحال، فإن آلية التناسق بين هذين المكونين تتفاوت بصورة كبيرة بين مختلف الدول، فهناك دول تتخذ قراراتها بصورة مهنية مبنية على دراسات متخصصة، تاركة للجهاز الإداري عملية التنفيذ بناء على هذه النتائج والدراسات المهنية، في حين يغيب الجانب المهني في العديد من البلدان، ويطغى على توجهاتها الجوانب الإدارية المعتمدة على تقييمات الظواهر العامة، مع ضعف أو غياب تام للجوانب المهنية، وهو ما يبرز جلياً في تناقض التوجهات التي يعيق بعضها البعض الآخر، ويقلل من جدوى القرارات الإيجابية.
وحتى لا نبقى ضمن العموميات النظرية، لنأخذ على سبيل المثال ما جاء في المقدمة حول دعم السيولة، مثل هذا التوجه الصحيح لا يمكن عرقلته من خلال إجراءات معاكسة، تساهم في سحب جزء مهم من السيولة، كفرض ضرائب غير مناسبة، وبالأخص على الاستهلاك، كرفع نسبة القيمة المضافة، مما يقلل من الطلب المحلي ويعيق انتعاش الأسواق، وبالتالي الإضرار بالعملية الإنتاجية وبقطاع الأعمال بشكل عام، ويؤدي إلى المزيد من الإفلاسات وتأخر عملية التعافي، بل والإضرار بها.
هنا بالذات نعود إلى مسألة العلاقة بين المهني والإداري، فالقرارات المهنية تتخذ وفقاً للمعطيات الموضوعية التي تفرض نفسها، في حين القرارات الإدارية تعتمد على الظواهر العامة للأمور، وهي مسألة تترتب عليها نتائج عكسية.
وفي سبيل تدارك هذا المأزق، الذي تبدو بوادره واضحة في بعض الدول، لا بد من تغير طبيعة العلاقة بين المهني والإداري، ومنح كل جانب دوره الطبيعي، فالمهني ليس بالضرورة أن يكون إدارياً جيداً، والإداري بدوره ليس بالضرورة أن يكون مهنياً جيداً لافتقاره للأسس المهنية، التي تتطلب عملية دراسة وبحث وإعداد مبني على الخبرة المهنية الطويلة المتراكمة.
لذلك، وفي ظل الأزمة التي يبدو بأن تداعياتها ستستمر لفترة ليست قصيرة، لا بد من تصحيح هذه العلاقة في البلدان التي تعاني فيها من هذا الخلل بين المهني والإداري، والذي يعتبر سر نجاح التوجهات التي بدأت في الظهور في بلدان أخرى، فهذان الجانبان يكملان بعضهما البعض، في حين ستستمر المعاناة فترة أطول، في تلك البلدان التي احتل فيها الإداريون منصة المسرح، في حين يجلس المهنيون على مقاعد المتفرجين.
الأزمة العالمية عميقة، وشملت كافة بلدان العالم، وهي كما يتضح جلياً تقترب مساوؤها من مساوىء أزمتي الحرب العالميتين الأولى والثانية، وأزمة الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي، مما يتطلب توجهات صحيحة ومهنية، تتناسب وخطورتها وتداعياتها المستمرة.