نعيش الأيام الأخيرة من هذا الشهر، حيث تختلط المشاعر لدى الإنسان بين فرح العيد ووداع رمضان، مزيج نادر في حياتنا الوجدانية والإيمانية، رمضان هذا العام ليس كما تعودنا، فقد عاش الناس في زمن كورونا حالة جديدة، ابتعدوا فيها عن طقوس نعرفها في رمضان، صلاة التراويح والتهجد انتقلت من المسجد إلى المنزل، عمرة رمضان لم يتمكن الناس منها، الامتناع عن زيارة الأرحام ولمة الأقارب، لكن لكل فعل ثوابه متي ما صلحت النية، وبقيت من رمضان ليال معدودات، العاقل من أحسن لنفسه فيها، فالأعمال بخواتيمها، وكما أن رمضان نودعه بحزن الفراق، نستقبل عيد الفطر ببسمة الاشتياق، ولكن عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ - بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ.
أَمّا الأَحِبَّةُ فكورنا أبعدهم، وكيف يصح لنا عيد دونهم، مع الاعتذار للمتنبي، فالعيد كذلك لن يكون كعادته، الناس ما زالوا ملتزمين بإجراءات التباعد الجسدي التي توجبها الجهات المختصة استجابة لدواعي المحافظة علي الصحة، وهذا واجب شرعي ومطلب وطني، ومع هذا لا بد من الفرح والسرور، لأن جمال هذا الدين يتلخص في وعد الله تعالى المؤمنين بالحياة الطيبة «مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً».
ومهما كانت الظروف صعبة فلا بد من الفرحة، تحقيقاً لشعيرة من شعائر الإسلام العظيمة، إنه العيد السعيد الذي جاء بعد عبادة فيها مشقة ومتعة، وصدق ابن القيم الجوزية: «وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول، وإن وقع ذلك ضمناً وتبعاً في بعضها، لأسباب اقتضته لا بد منها، هي من لوازم هذه النشأة، فأوامره سبحانه، وحقه الذي أوجبه على عباده، وشرائعه التي شرعها لهم هي قرة العيون ولذة القلوب، ونعيم الأرواح وسرورها، وبها شفاؤها وسعادتها وفلاحها، وكمالها في معاشها ومعادها، بل لا سرور لها ولا فرح ولا لذة ولا نعيم في الحقيقة إلا بذلك».
فكيف هو العيد في زمن كورونا، العيد من الناحية النفسية حالة من السرور يشعر بها المؤمن نتيجة استجابته لأمر ربه، ويقتضي الأمر الانتقال من حال إلى آخر، له طقوس مادية مثل لبس الجديد والصدقة، ومعنوية كالابتسامة الصادقة، يبدأ كما نعرف بمجرد إعلان الجهات المختصة نهاية رمضان، عندها يشرع التكبير، وفي صبيحة العيد نكسر حاجز الصوم بتمرات، ثم صلاة العيد في المنزل، وفعل كل مباح يدخل السرور على النفس من شعائر الأعياد، من صلة للأرحام والأقارب والجيران ولو عن بعد، ومن مظاهر البهجة في الأعياد نشر الأخبار الجميلة والمعلومات الإيجابية، ومن أروع ما تفعل سرور تدخله على غيرك وأوصيكم خيراً بالأطفال، ومن أجل الممارسات في العيد العفو عن الزلل، فما أجمله من وصل، بين شخصين متخاصمين يعلنان الصفح الجميل في هذا اليوم الجليل، لأن أهم درس تعلمناه من كورونا، أننا أعطينا الدنيا أكبر من حجمها.. أتمنى لكم عيداً سعيداً، وتقبل الله طاعاتكم.