كان حديثنا فيما مضى يدور حول الاتحادية بشكلها التقليدي القديم، أي وفقاً للدستور والبنى السياسية والتنظيمية التي يقيمها، لكن كاتبكم المتخصص في شؤون الإمارات السياسية والمهتم بها يرى بأنه بعد انقضاء خمسين عاماً على قيام الدولة تكون الاتحادية فيها قد تجاوزت شكلها التقليدي إلى نمط حديث الذي تتميز به وحدها دون غيرها من الاتحادات الأخرى.
فهل هذا الطرح صحيح؟ وما هي الاتحادية التقليدية، وما هي الاتحادية الحديثة؟ الاتحادية التقليدية، هي مقولة قانونية توضح فصلاً دستورياً للسلطة والوظائف والأداء بين الحكومة الاتحادية وحكومات الإمارات السبع مع كون أن المستويين يستمدان سلطاتهما الشرعية بشكل منفصل عن الآخر، ومن مصادر مختلفة، فالإمارات السبع لدى كل منها حاكم وحكومة محلية، ويستمد سلطته من الشرعية القبلية التاريخية، في حين أن الحكومة الاتحادية تستمد سلطاتها من الشرعية الدستورية التي أولاها إياها المجلس الأعلى للاتحاد المكون من الحكام السبعة.
لذلك فإن الاتحادية التقليدية، هي نزعة غير متحركة تصوّر العلاقة بين الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية بأنها ثابتة طوال الوقت بتثبيتها الحكام السبعة المؤسسين للاتحاد في الثاني من ديسمبر 1971.
أما ما أراه، فهو أن الاتحادية بنمطها الحديث، فهي مقولة سياسية عملية «براجماتية» تؤكد العلاقات البينية المتداخلة والمتبادلة، والشراكة في الوظائف المؤداة بين الاتحاد، أي المركز، وبين الحكومات المحلية، أي الأطراف، وتركز أيضاً على التأثير المتبادل الذي يمارسه كل طرف على الآخر.
لذلك، فإن النزعة الحديثة للاتحادية في الإمارات، كما أراها هي ديناميكية متحركة تصور العلاقات البينية المتداخلة والمتبادلة بين المركز والأطراف بأنها علاقة من التغير المكثف في الاستجابة للقوى الاجتماعية والاقتصادية وللتغيرات في العوامل السياسية التي تحدث في البيئتين السياسيتين الداخلية والخارجية.
وربما أنه لم يتطرق أحد للاتحادية الحديثة في الإمارات، لذلك فأنا أشير إليها بأنها هي علاقات في داخل مستويات الحكومة لسببين: هما أن تركيب المصطلح «اتحادية حديثة» ينبهنا إلى المعنى المتغير لمقولة الاتحادية في الإمارات، وأن الحد الفاصل بين الاتحادية والمحلية أصبح صعب التحديد، ويكمن في العلاقة بين المستويين في إطار اشتراكهما في الأداء الخاص في وظائف الدولة الاتحادية.
لقد تعود المواطنون على التفكير بشأن الاتحادية بأنها مظهر مختصر لبنية الدولة والحكومة، لذلك هم في حاجة في هذه المرحلة إلى البدء في التفكير بشأنها على أنها هي التي تقرر في السياسات الخاصة بأمور معيشتهم وأمنهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، بمعنى أنهم يحتاجون إلى الأخذ بعين الاعتبار تأثير الاتحاد على كل ما يتعلق بأمور حياتهم، وعلى النشاطات الراسخة لمجتمعهم وبلادهم، وفائدة التأثير المتبادل لتوسعة نشاطات الاتحاد على العلاقة البنيوية بين الاتحادية والمحلية.. وهذا يعني أنه لم يعد من الواقعي في شيء القبول بالقيام بصياغة وفهم الاتحادية في الإمارات على أنها ذلك الجدار السميك الذي يفصل ما بين المستويات الاتحادية والمحلية.
إن عملية الفصل الدستوري لا يمكن تغييرها سوى بتعديل دستوري، وهذا أمر صعب، لأنه ليس من المقبول المساس بالدستور القائم، لكن من الناحية الواقعية يلاحظ منذ قيام الاتحاد أن قرارات المجلس الأعلى للاتحاد ورئيس الدولة ومجلس الوزراء والتقاليد والأعراف السياسية السائدة، وما حدث من تطورات تكنولوجية وتقدم سريع في وسائل الإعلام والاتصال والمواصلات أحدثت تغييرات أمر واقع في تفسير وتطبيق النصوص الدستورية، تلك النصوص والعبارات المكتوبة بها لديها من الاتساع الذي يجعلها تغطي العديد من الحالات المستجدة، بمعنى أن الصيغ الأصلية لا يتم المساس بها، وتبقى على حالها في حين أن مضامينها يمكن التعامل معها بشكل مؤثر. وهذا في حقيقة الأمر هو ما يحدث لما أُسميه بالاتحادية الحديثة في دولة الإمارات التي ما فتئت تعمل بشكل تدريجي ومتطور منذ نشأتها.
*كاتب إماراتي