حضور فيروس كورونا طاغٍ على المشهد الإنساني في العالم كله، ويمرّ عيد الفطر هذه السنة ضمن سياق الصراع المستمر مع الفيروس بكل مفردات هذا الصراع من الحجر الصحي والعزل المنزلي والتباعد الجسدي.
إلا أنه وعلى الرغم من ذلك كله، فلم يزل بإمكان الجميع مشاركة أفراحهم مع أقربائهم وأحبابهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي بتطبيقات مختلفة تمكن الجميع من رؤية الجميع بكل سهولة، نعم هو عيدٌ مختلفٌ ولم نشهد له مثيلاً من قبل، أقله في المئة عامٍ الأخيرة من حياة البشر، ولكنه ليس أسود كالحاً، بل فيه مجالٌ للفرح والسعادة.
من ذلك أن كثيراً من الناس وتحت ضغط الإجراءات الاحترازية، يشعرون بفقدان حياتهم الطبيعية، ويتذمرون من أوضاع الانغلاق، مع معرفتهم بأهميتها لصحتهم وصحة عوائلهم، ولكن بإمكان الناس أن تتحمل كل هذا وأكثر، حين تعرف أنها تتمتع وأحبابها بصحة جيدةٍ وحياة رغيدة، وبالذات في دولٍ غنيةٍ مثل دول الخليج العربي، وأن أجهزة الدولة كلها مسخرةٌ لحماية المواطنين والمقيمين من الفيروس الخطير ومن أي أمراضٍ تهدد صحتهم وحياتهم.
ويكفي الكثيرين أن يتذكروا الأبطال الذين يدافعون عنهم في الخط الأول من مواجهة فيروس كورونا والمتمثل في الأطباء والممرضين وكل الكوادر الصحية، وكذلك رجال الأمن والشرطة الساهرين على ضمان تطبيق الأنظمة والقوانين لمصلحة الناس ومصلحة البلدان، هؤلاء بعضهم لم ير عائلته وفلذات كبده منذ أسابيع وأشهرٍ لأجل حماية الأرواح وإيقاف مدّ هذا الفيروس الخطير.
وثمة مبشراتٍ مهمة في هذا السياق عند التأمل بها، ومن ذلك أن الفيروس لم يعد مجهولاً كلياً حول العالم، لقد برزت له صفاتٌ ومميزاتٌ ومحدداتٌ مكنت العلماء من فهمه بشكل أفضل، وبالتالي الدفع قدماً باتجاه اختراع دواء ولقاح ضده وضد مخاطره على البشر، ويتابع الجميع الأخبار المتكررة والقادمة من العديد من البلدان عن اكتشافاتٍ جديدةٍ وتجارب مكثفةٍ، كلها تعبر عن الجهد المبذول عالمياً في هذا السياق.
ومن تلك المبشرات التي يحسن الحديث عنها في وقت العيد، مستوى الوعي الإنساني لدى المجتمعات والأفراد حول العالم، وفي دول الخليج العربي بشكلٍ خاصٍ، حيث كان لمؤسسات الدولة دورٌ بارزٌ في نشر الوعي بين الناس بكل الوسائل المتاحة، حتى أصبحت الغالبية العظمى من الناس تحسن الاحتراز من هذا الفيروس بأفضل الطرق المتوفرة من وسائل الوقاية وحالة الاطمئنان والثقة في الدولة بتوفيرها كافة الاحتياجات اليومية للناس، وبتأكيدها على توفر كل سبل العناية الصحية والرعاية الطبية لكل من يحتاجها من المواطنين والمقيمين على حدٍ سواء.
من أهم طرق النجاح في الحروب معرفة العدو، وفي هذه الحرب مع الفيروس فقد تطورت معرفة الفيروس كثيراً وقطعت أشواطاً طويلةً، ما يجعل المسافة في الوصول إلى الهدف قصيرةً، مقارنةً بالأشهر الأولى لانتشار الفيروس والصدمة العالمية التي سببها.
لم تصل البشرية بعد لحلٍ نهائيٍ بخلق دواء ولقاحٍ يجعل هذا الفيروس من الماضي، ولكن مشوار الألف ميلٍ يبدأ بخطوةٍ واحدةٍ، وقد مشت البشرية خطواتٍ كبيرةٍ بالاتجاه الصحيح، وليس على الناس إلا التحلي بالصبر وانتظار النتائج، والصبر مفتاح الفرج، كما في المثل العربي المعروف.
لا يفوت العاقل فرصة الفرح، مهما كانت غير مكتملةٍ، والاكتئاب والمقارنة بالماضي لا يقدمان حلاً، بل يحرمان الإنسان من مساحاتٍ فرحٍ بإمكانها التخفيف عنه وعن أحبابه أعباء حربٍ لم تنته بعد في مواجهة واحدٍ من أخطر الفيروسات الحديثة.
أخيراً، ما أجمل الفرح والسعادة بين أفراد العائلة في حدثٍ سيتذكره الجميع طويلاً، وكل عامٍ وأنت بخير وعيد سعيد.
*كاتب سعودي