تواجه الهند تحدياً حقيقياً، نظراً لتعطيل الدراسة وإغلاق المدارس منذ منتصف مارس بسبب وباء كورونا، وتعتمد الهند واحداً من أكثر الإغلاقات صرامة، ولكنه أخذ الآن يخفَّف بشكل تدريجي؛ إذ بات يُسمح للناس بالخروج من بيوتهم، ما عدا في الفترة بين السابعة مساء والسابعة صباحاً، كما بدأ يُسمح للمحلات التجارية، ما عدا في المراكز التجارية ومجمعات التسوق الكبيرة، بفتح أبوابها من جديد وسط مخاوف من أن تتسبب الكلفة الاقتصادية لمواصلة الإغلاق في معاناة أكبر من الفيروس نفسه، ولكن وبالنظر إلى استمرار ارتفاع الحالات المصابة بفيروس كورونا، فإن الخوف والارتياب بشأن الفيروس لم يتبددا لدى البعض رغم تخفيف القيود.
ذلك أنه ليس هناك أي خبر بعد بشأن متى ستفتح المدارس والمعاهد التعليمية الأخرى من جديد، مع أنه من الواضح أنها ستكون الأخيرة التي تفتح، كما أن هناك شعوراً متزايداً بضرورة التعايش مع الفيروس، ولكن من الواضح أن التعليم واحد من المجالات الأساسية التي تضررت من هذا الوباء. وهذا يطرح إشكاليات في بلد حيث أكثر من 60 في المئة من الطلبة فقراء، ويدرسون في مدارس حكومية حيث التعليم مجاني، وبالنسبة لهؤلاء الطلاب، الوصول إلى شبكة الإنترنت وإلى هواتف ذكية وحواسيب ليس أمراً بديهياً، وفي هذه الظروف لتعطيل الدراسة عواقب وخيمة بشكل خاص بالنسبة للهند، ذلك أنه يعني أن الهوة بين الأغنياء والفقراء لن تزداد إلا اتساعاً، لأن الآباء الفقراء لا يستطيعون شراء أجهزة باهظة.
ووفق تقارير، فإن 8 في المئة فقط من الطلبة يمتلكون حاسوباً متصلاً بشبكة الإنترنت، في مثال واحد فقط على التفاوت الاجتماعي الموجود في البلاد، الإغلاق قلب الجدول المدرسي رأساً على عقب، إذ أثّر على الأنشطة الأكاديمية في مختلف المجالات، ما أدى إلى إرجاء اختبارات التخرج من المدارس، واختبارات الكليات، واختبارات القبول بالنسبة لعدد من التخصصات، من الهندسة إلى الطب، هذا مع العلم بأنه توجد في الهند أصلاً هوة واسعة بين الطلبة الذين يدرسون في المدارس الخصوصية والطلبة الذين يدرسون في المدارس الحكومية؛ ولهذا، فإن هذه الهوة من المحتمل أن تزداد اتساعاً مع استمرار إغلاق المدارس.
الحكومة الهندية أخذت في عين الاعتبار حقيقة أنه إذا كانت لدى بعض الطلبة إمكانية الوصول إلى الإنترنت، فإن آخرين لا يملكونها، بل إن بعضهم يعاني حتى من اضطراب إمدادات الكهرباء. ولهذا، تحاول الحكومة ضمان وصول التعليم إلى الجميع عبر مختلف الطرق والوسائل، وتقترح في هذا الإطار إطلاق 12 قناة تلفزيونية جديدة لكل صف دراسي، من أجل مساعدة الأطفال الأكثر فقراً الذين لا يملكون هواتف ذكية أو حواسيب محمولة لتغطية المقرر التعليمي وسط حالة الاضطراب التي تسبب فيها وباء فيروس كورونا، القنوات التلفزيونية يجري التخطيط لإطلاقها باللغتين الإنجليزية والهندية؛ ومن المرتقب أن تبث مواد طوال اليوم حتى يستطيع الطلاب متابعتها في أوقات مختلفة إن أرادوا ذلك، وتأمل الحكومة أن تساعد الدروس التي تبث على القنوات التلفزيونية الطلاب على تغطية جزء من المنهاج الدراسي على الأقل، وضمان عدم انقطاعهم عن النظام التعليمي بشكل كلي.
والواقع أن الهند نجحت في جلب ملايين الأطفال إلى النظام المدرسي، ولكن جودة التعليم في المدارس التي تديرها الحكومة، بل وحتى في بعض المدارس الخاصة، كثيراً ما يكون محل تساؤلات، وفي هذا السياق، وجدت دراسة أن واحداً من كل طالبين اثنين من الصف الثامن، أي بين سن الثالثة عشرة والرابعة عشرة، لا يستطيعون حل عمليات القسمة الأساسية، ولئن كان التعليم حقاً أساسياً وطريقة لخروج الناس من الفقر، فإن الحصول على تعليم ذي جودة ما زال يشكل تحدياً في الهند، واليوم، تزداد المخاوف من أن يؤدي وباء فيروس كورونا إلى توسيع الهوة بين الطلاب الميسورين والطلاب الفقراء أكثر، وربما إلى زيادة معدلات الانقطاع عن الدراسة كذلك.
وأمام التحديات الجديدة التي تواجه التعليم، أخذ عدد من الولايات الهندية تجرب حلولاً متعددة من أجل الوصول إلى الطلاب، من «واتساب» و«زووم» إلى «الرسائل النصية»، كما شرعت بعض الولايات في بث برامج تعليمية على القنوات التلفزيونية الحكومية، بينما تدير الحكومة الفدرالية قنوات تلفزيونية تعليمية للأقسام العليا في المدرسة والتعليم العالي، إلا أن بعض حكومات الولايات تأخذ بعين الاعتبار إمكانية وسائل أخرى لصالح تلك الأسر الأفقر التي ليست لديها إمكانية الوصول ولو لجهاز تلفاز.
وفي هذا الإطار، يعمل عدد من الولايات على تعليم الدروس عبر الراديو، الذي ما زال يحظى بشعبية في الهند وخاصة في المناطق الريفية، كما يقوم بعض الأشخاص بتحميل الدروس على الإنترنت، وذلك حتى يتسنى لعدد أكبر من الطلبة الوصول إلى الكتب من دون الاضطرار لشرائها. ولكن ذلك يعتمد أيضاً على ما إن كانت لدى الطالب إمكانية الوصول إلى الإنترنت، وبالتالي، فمن الواضح أنه لا يوجد بديل حقيقي لقاعة الدرس، ذلك أن دروس الإنترنت وغيرها من الجهود الرامية للوصول إلى الطلاب ما هي إلا طريقة للتعاطي مع تداعيات الوباء، ثم هناك بالطبع الخطر الحقيقي المتمثل في استفحال حال الفقير ووقوعه في ضائقة أكبر، وفي هذه الحالة، هناك خطر معاناة التعليم إذا لم تركز الحكومة أكثر على استراتيجية للخروج من هذا الوضع.