درجت عادة المشاهدين في العالم العربي أن يتابعوا شاشة التلفزة في منازلهم مع أسرهم خلال شهر رمضان الفضيل كل عام، مساءَ كل يوم بعد الإفطار. وهذه من عادات وتقاليد المجتمع العربي في أي مكان. وهي عادة تستغلها الفضائيات لترويج برامجها الرمضانية المصحوبة بالإعلانات المختلفة التي تفرض على المشاهد متابعتها وهو ينتظر تكملة المشهد الدرامي إلى نهايته، لعله يظفر بقفلة محكمة، ترسم على وجهه ابتسامة أو تُدخل في ذاكرته جملة أثيرة.
نحن هنا إذن أمام وسيلة إعلامية تصر على تمرير رسالتها وهدفها المنشود متمثلا في الكسب الترويجي، وأمام متلق يقبل على مضض مرور الإعلان ويعتبره ضريبة المشاهدة أو ثمن المتعة والتسلية!
لكن المشكلة تكمن في مستوى المحتوى الذي يظهر للمشاهد ويؤثر على مستوى عقله ونمط تفكيره، رغم تنوع العروض الدرامية التي أصبح الغث فيها أكثر من السمين. إن أغلب الأعمال الفنية والمسابقات الرمضانية المعروضة على الشاشات العربية باهت ومكرر وممل، كما أن أغلب المسابقات الرمضانية منفر ومزعج وغير جاذب لا للملتقي الكبير الذي يبحث عن فكرة تفيده وتنفعه، ولا للمتلقي الصغير الذي يبحث عن تسلية ومتعة.
ما عرض من أعمال درامية ومسابقات رمضانية في الشهر الفضيل الذي غادرَنا للتو، لم يعكس واقع الحياة في ظل الأزمة الصحية العالمية (جائحة كورونا) التي غيرت نمط الحياة بكل تفاصيلها ويومياتها، والتي كان بالإمكان أن تكون مادةً خصبةً وغنيةً وجاذبةً ونافعةً عند توظيفها لصالح برامج توعوية مسلية، يستفيد منها المشاهد وتقدم له المتعة، رغم أن الجائحة بدأت قبل شهر الصيام بوقت كاف ومعقول لجعلها مادة لعمل تلفزيوني جديد وجيد، لو أن هناك عقولا ذكية ومبدعة.
أما أن يتم تمرير وفرض مثل هذه المسابقات الباهتة والمكررة (مع استثناءات قليلة)، فهو ما يشير إلى وجود فراغ فني ودرامي وإداري تعانيه القنوات الفضائية التي لم يعد كثير منها يقدم سوى برامج ضعيفة ومكررة ومجترة، سواء على مستوى النص أم على مستوى الأداء والإخراج والتنفيذ.. برامج ليس فيها فكرة تذكر أو محتوى ينفع أو حصيلة يخرج بها المشاهد وتخدم الفرد والوطن والمجتمع. لقد أصبح كثير من الأعمال التلفزيونية الرمضانية مضراً وغير صالح للمتابعة، كونه يتسبب في تسطيح عقلية المتلقي وتبلُّد إحساسه وتجمُّد مشاعره وتكلس تطلعاته وآماله.. بل يمرر بعضها رسائل تزيِّن الكذب والنصب والاحتيال والخداع والغدر والتنكر للأصدقاء وتصيد الكسب السريع غير المشروع.. كما تحتوي على كم هائل من الصراخ والعويل والنواح والأصوات النشاز التي لا تنم عن رقي فكري ونضج حضاري وسمو إنساني يليق بعقلية المشاهد المتعلم وبحرمة الشهر الفضيل الذي يعلّمنا الصبر والصدق والإيمان. بهذه البرامج التافهة غالباً في طرحها الفكري، خاضت كثير من الفضائيات العربية غمار الشهر الفضيل تاركة في نفوس مشاهديها درجة عالية من الإحباط والسلبية والانزعاج.
لذا نتساءل: أين تلك البرامج الثقافية والفكرية القديمة التي تشوق المشاهد وتغذيه فكرياً وثقافياً وفنياً، وتمنحه الفرصة لتنمية ذاكرته وترقية وعيه.. فيزداد احتراماً لنفسه وتقديراً للبرامج المفيدة والنافعة والمسلية التي تقدم لنا مادة غنية وقيّمة على شاشات كانت تحترم نفسها ومشاهديها؟!

*كاتب سعودي