فرضت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19) ظروفاً استثنائية على كل دول العالم، وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول التي بادرت إلى التعامل مع هذه الظروف، على نحو يضمن سلامة المجتمع وتحصينه في مواجهة هذه الجائحة الخطيرة. وضمن تدابيرها الاحترازية، طبقت الحكومة الاتحادية نظام العمل عن بُعد، بعد أن قامت بتعليق الدوام المدرسي والجامعي، وطبقت نظام التعليم عن بُعد، وكان الهدف هو الحفاظ على صحة الموظفين وصحة أبنائنا التلاميذ والطلاب في المراحل التعليمية المختلفة.
وقد قامت التدابير الاحترازية التي طبقتها الدولة فيما يخص نظام العمل عن بُعد في الوزارات والمؤسسات الاتحادية كافة، وفيما يخص الدوام المدرسي عن بُعد، بدور كبير في دعم جهود الدولة في محاصرة جائحة (كوفيد - 19) والتي شملت العديد من المجالات والجوانب الأخرى، ما شكل استراتيجية متكاملة وشاملة طبقتها الجهات المعنية في الدولة لمكافحة هذه الجائحة، وكان لها العديد من النتائج الإيجابية المبشرة.
وفي ظل ما تحقق من نجاح كبير في جهود مكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد - 19)، باتت الأجواء مهيأة لعودة تدريجية للحياة الطبيعية، واستئناف عجلة النشاط الاقتصادي مرة أخرى، ومن هذا المنطلق، أعلنت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية عودة العمل في جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات الاتحادية، وذلك اعتباراً من اليوم الأحد، بحيث لا تزيد نسبة العاملين في أماكن العمل على 30% من المجموع الإجمالي للموظفين في المؤسسة، وتتزايد تدريجياً بناءً على المستجدات. ومما لا شك فيه أن هذا القرار قد جاء في إطار تعزيز استمرارية العمل الحكومي والعودة التدريجية للموظفين وتقديم الخدمات الحكومية، مع ضرورة الالتزام بالإجراءات الوقائية والاحترازية لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد «كوفيد - 19».
وقد حرص القرار على استثناء عدد من الفئات من العودة إلى العمل واستمرار تطبيق نظام العمل عن بُعد لها، وتشمل تلك الفئات كلاً من السيدات الحوامل، وأصحاب الهمم، والمصابين بأمراض مزمنة، وحالات ضعف المناعة الذين يعانون أعراضاً تنفسية مثل الربو والسكري، فضلاً عن الموظفين من فئة كبار السن، والموظفات اللاتي يقمن برعاية أبنائهن من الصف التاسع في الحلقة الدراسية الثالثة فما دون لحين الانتهاء من العام الدراسي الحالي، وكذلك من لديهن أطفال في دور الحضانة أو يرعين في المنزل من تستدعي حالته الصحية رعاية دائمة في ظل الظروف الطارئة. كما حدد القرار استثناء الموظفين القاطنين مع الفئات الأكثر عرضة للمخاطر الصحية في السكن نفسه والمخالطين لهم بشكل مباشر ككبار السن ومن يعانون أمراضاً مزمنة أو ضعف مناعة، وأصحاب الهمم.
وفي الواقع، فإن الحرص على صحة الإنسان وسلامته قد شكلا الركن الركين في الاستراتيجية التي اتبعتها دولة الإمارات لمكافحة جائحة (كوفيد - 19)، ولذلك فإن القرار المذكور ألزم الجهات الاتحادية كافة عند تنفيذها لعودة الموظفين التدريجية لمقار عملهم بضرورة اتخاذ الإجراءات الاحترازية الصحية المتعلقة بالتباعد الجسدي بين الموظفين وجاهزية مقار العمل والمكاتب وتهيئتها لاستقبال الموظفين والمتعاملين وفقاً للتدابير والإجراءات الاحترازية الوطنية، وتطبيق نظام الدوام المرن فيما يتعلق بالحضور والانصراف، حفاظاً على سلامة الموظفين في الدخول والخروج من وإلى مقار العمل.
والحاصل أن هذا القرار جاء بصيغة متوازنة تؤكد المرونة والحزم اللذين تعاملت بهما مؤسسات الدولة المعنية مع الظروف الاستثنائية التي خلّفتها جائحة (كوفيد - 19)، فالعودة التدريجية إلى العمل في المؤسسات الاتحادية باتت مهيأة بعد النجاح اللافت للنظر الذي تحقق في حصار هذه الجائحة، وباتت كذلك ضرورية، في ظل اتجاه كل دول العالم إلى إزالة القيود التي فرضتها على حركة النشاط الاقتصادي والحياة الطبيعية. ولا شك أن تشديد القرار في قضية الإجراءات الوقائية والاحترازية، يضمن ألا تكون هذه العودة على حساب صحة المجتمع وسلامته، وهو ما يشكل أولوية حاسمة لدى قيادتنا الرشيدة.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.