تتجه معظم دول العالم في هذه المرحلة إلى التعايش مع وباء كورونا المستجد، حيث بات واضحاً أن تكلفة الإغلاق الكامل لكافة أنشطة الاقتصاد والعمل لا يمكن لأي دولة، مهما كانت قدراتها وإمكانياتها، والإمارات ليست استثناء من هذا، فقد بدأت هذا الأسبوع عودة النشاط الاقتصادي تدريجياً، وعودة العمل في جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات الاتحادية بنسبة 30%، في خطوة تتطلب من الجميع، مواطنين ومقيمين، التعاون لإنجاحها من أجل محاصرة هذا الوباء بشكل كامل، وعودة الحياة إلى طبيعتها.
سيكون من الخطأ أن يتصور البعض أن استئناف بعض مظاهر النشاط الاقتصادي والعودة إلى العمل، قد يعني التخفيف من الإجراءات الوقائية والاحترازية المتبعة، بالعكس فإن الالتزام الآن بكامل الإرشادات والتعليمات الخاصة أصبح مضاعفاً، حيث تقع المسؤولية الأكبر في هذه المرحلة على عاتق أفراد المجتمع؛ لأن الدولة لم تُقدم على هذه الخطوة، إلا لأنها كثفت جهودها منذ بداية ظهور هذا الوباء في توعية الجميع، وتعريفهم بسبل الوقاية وكيفية التعامل الاحترازي معه، وأصبح الآن الرهان على وعي المجتمع، والتزامه في تجاوز هذه الأزمة.
ولا شك في أن الإجراءات الاحترازية والتوعوية التي اتخذتها الإمارات، وما تزال، هي التي مهدت الطريق للمرحلة الحالية، التي يتم خلاها التوازن بين كيفية التعايش مع كورونا واستئناف النشاط الاقتصادي والعودة إلى العمل؛ فالإعلام الوطني، قام بدور حيوي في توعية أفراد المجتمع بالعديد من اللغات، كما أن الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث أطلقت المنصة الإلكترونية الوطنية «وقاية»، وهي مبادرة نوعية تستهدف التعريف بالإجراءات الصحية والوقائية التي يجب اتباعها لسلامة وصحة الأفراد من فيروس كورونا.
تشير خبرات العديد من دول العالم إلى أن الوعي المجتمعي كان حجر الأساس في مواجهة كورونا واحتواء انتشاره، لأنه مهما كانت طبيعة الإجراءات الوقائية والخطوات الاحترازية، فإنها تظل بلا جدوى دون الالتزام الكامل والطوعي بها من جانب أفراد المجتمع، فالشعوب التي استهانت بتنفيذ التعليمات والإرشادات ما تزال تعاني حتى الآن، وتكاد منظومتها الصحية عاجزة عن توفير الرعاية الصحية بشكل جيد للمصابين، لهذا فإن الرهان على وعي المجتمع والتزامه الكامل بكافة الإجراءات الاحترازية والوقائية، يظل أساس التعايش مع وباء كورونا، والقضاء عليه بشكل نهائي.
الوعي المجتمعي لا يكون فقط بالالتزام بكافة الإجراءات والتعليمات والإرشادات، وإنما أيضاً في الإحساس العميق بالمسؤولية تجاه الوطن ودعم الجهود الحكومية من أجل عبور هذه الأزمة، وذلك من خلال الالتزام بالتباعد الجسدي، وعدم الخروج من المنزل إلا في أضيق الحدود وللضرورة القصوى، وعدم الالتفات إلى أية أخبار أو معلومات غير موثوقة، خاصة تلك التي تنتشر على وسائل ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، وتروج لمعلومات مغلوطة حول كورونا، سواء في ما يتعلق بانحساره عالمياً، أو تراجع خطورته؛ لأن ذلك من شأنه أن يؤثر بالسلب على الجهود الحكومية الكبيرة التي تُبذل في مواجهة هذا الوباء.
إن استمرار الانتشار السريع لفيروس كورونا في العالم أجمع، وتزايد أعداد المصابين وحالات الوفيات به على مدار الساعة، ينبغي أن يكون حاضراً في أذهان جميع أفراد المجتمع، ليس من منطق التخويف أو إثارة الذعر، وإنما من ضرورة الوعي بخطورة هذا الوباء وضرورة الالتزام بكافة التعليمات والإرشادات من جانب الجميع في هذه المرحلة، لأن أي استهانة من جانب قلة بسيطة بالتعليمات قد تؤدي إلى دورة جديدة من انتشار الوباء، ومن ثم زيادة العبء على المنظومة الصحية في الدولة.
لقد بذلت الإمارات جهوداً استثنائية في إدارة أزمة كورونا، حتى أصبحت بشهادة منظمة الصحة العالمية، من أكثر الدول الآمنة على مستوى العالم من هذا الوباء، حيث تتصدر المنطقة العربية في عمل الفحوص المعملية، وتأتي ضمن أعلى ثلاث دول على مستوى العالم في عمل الفحوص، ما يُعد شهادةً عالمية على كفاءة الإمارات في التعامل مع هذا الوباء واحتواء تداعياته المختلفة، كما يحمّل الجميع في الوقت ذاته مسؤولية مضاعفة في الالتزام بالإجراءات الوقائية، ودعم الجهود الحكومية، من أجل عبور هذه المحنة وإعلان الإمارات خالية بشكل نهائي من هذا الوباء في القريب العاجل.