من سمات وصفات وباء كورونا الحالي، التباين والاختلاف الواضح في فداحة ثمنه الإنساني على مختلف الدول والشعوب، سواء على صعيد الإصابات أو على صعيد الوفيات. فالولايات المتحدة مثلاً، والتي يبلغ تعداد سكانها قرابة 330 مليون نسمة، قاربت معدلات الإصابة فيها مليوني شخص، وبلغت الوفيات 106 آلاف حتى الآن. وعلى النقيض من ذلك، نجد أن الصين، والتي ظهر بها الوباء أول ما ظهر، ويزيد عدد سكانها عن مليار وأربعمائة مليون نسمة، أي خمسة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة، بلغت الإصابات فيها حتى الآن 83 ألفاً فقط، ولم تبلغ الوفيات بعد خمسة آلاف، أي أن من بين كل وفاة في الصين، هناك أكثر من 20 وفاة في الولايات المتحدة، وبمرور الوقت يتوقع أن تزداد هذه النسبة بمقدار أكبر.
وبشكل مماثل، نجد أن دولة صغرى على صعيد السكان، مثل بلجيكا، والتي يقل عدد سكانها عن 12 مليون، وصل عدد الوفيات فيها نحو عشرة آلاف، وهو ضعف عدد الوفيات في الهند التي يزيد عدد سكانها عن مليار و350 مليون نسمة، أي أكثر من مئة ضعف عدد سكان بلجيكا.
ولا يمكن رد هذا التباين في الإصابات والوفيات إلى كفاءة وفعالية نظام الرعاية الصحية، فبلا شك أن مستوى الرعاية الصحية في بلجيكا أفضل بمراحل من نظيره في الهند. كما أن الولايات المتحدة تتمتع بأعلى المستويات الدولية على صعيد العلوم والتقنيات الطبية، ويتوافر فيها أفضل المستشفيات والمراكز البحثية.
إذن ما السبب؟ في الحقيقة لا توجد إجابة واضحة مباشرة، وإن كانت أصابع الاتهام تتجه لعدة أسباب، منها متوسط عمر أفراد الشعب، حيث تتمتع بلجيكا مثلاً بمتوسط عمر يبلغ 81 للذكور و83 للإناث، مقارنة بالهند التي يبلغ متوسط العمر فيها 69 للذكور و72 للإناث. ومعلوم أن ثمة ارتباطاً وثيقاً بين وفيات كورونا وبين متوسط العمر، لدرجة أن الغالبية العظمى من الوفيات حتى الآن هم ممن بلغوا العقد السابع فما فوق.
لكن حتى هذا لا يمكنه أن يبرر تلك الفروقات الهائلة، ولذا يشير البعض إلى عدد الفحوص التي يتم إجراؤها، والذي من شأنه كلما زاد أن يَنتج عنه تشخيص أعداد أكبر من المصابين، مقارنةً بالدول التي لا تجري عدداً كبيراً من الفحوص، ولا يتم فيها اكتشاف الإصابات من الأساس. وهو ما ينطبق أيضاً على أسلوب تسجيل أسباب الوفاة، حيث تسجل بعض الدول الوفيات كحالات وفاة بكورونا لمجرد الاشتباه، بينما لا تسجل دول أخرى الوفيات بسبب كورونا، دون التأكيد بفحص معملي.


*كاتب متخصص في القضايا الصحية والعلمية