في الوقت الذي تضعف فيه عدوى الفيروس التاجي، وترفع الدول الأوروبية قيود السفر للخارج، ويستعد الناس لاحتمال السفر جواً مرة أخرى، يتم إغلاق أحد أكبر أسواق السياحة في العالم بشكل فعال. وبموجب القواعد التي تم إقرارها، فإن أي شخص يصل إلى المملكة المتحدة اعتباراً من 8 يونيو الجاري، بما في ذلك البريطانيون العائدون، سيتعين عليه البقاء في الحجر الصحي لمدة 14 يوماً، مع فرض غرامة كبيرة على أولئك الذين يخالفون القواعد.
وتقول الحكومة البريطانية إن الحجر الصحي يعتمد على «أحدث الأدلة العلمية» وأنه من الضروري منع انتقال «كوفيد-19» بشكل أكبر. لكن، تماماً كما هو الحال في قاعدة التباعد الاجتماعي بمسافة مترين، فإن الأدلة الداعمة تبدو ضعيفة، في حين أن التأثير الاقتصادي لهذا الإجراء سيكون كبيراً.
ليس ثمة شك في أن السفر جواً كان عاملاً مميتاً لمضاعفة انتشار كوفيد-19. وقد أظهرت محاكاة حسابية من مجموعة من الباحثين في جامعة ستانفورد، ونُشرت الشهر الماضي، إلى أي مدى كان الحد من السفر جواً عاملاً أساسياً في خفض معدلات الانتشار. يمكن لإجراءات الحجر الصحي أن تكون فعالة بشكل كبير، خاصة أن الفيروس يمكنه أن ينتقل قبل ظهور الأعراض كما يمكن التعرف على هؤلاء الذين يُحتمل أن يكونوا حاضنين للمرض وعزلهم.
لكن الكثير يعتمد على القواعد التي يتم الالتزام بها. فخلال تفشي سارس عام 2003، حاولت تورونتو فرض حجر صحي على نطاق واسع، لكنها وجدت أن الامتثال كان ضعيفاً، حيث اتبع 57% فقط من الناس الخاضعين للحجر الصحي قواعد العزل. ويمكن القول إن هذه الإجراءات أضرت أكثر مما أفادت، مما غذى القلق العام وتطلب موارد حكومية هائلة لتطبيقه.
وليس من الواضح أن الحجر الصحي في المملكة المتحدة سيتم الامتثال به أو يكون قابلا للتطبيق. أولا، لم تحاول الشرطة هنا حتى جعل الناس يمتثلون للحدود الجديدة في الأعداد بالنسبة للتجمعات في الأماكن الخارجية، ولم تكن تفض سوى المجموعات الكبيرة. أما بالنسبة للانضباط في المنازل (حيث من المفترض أن ينعزل الناس)، فهذا لا يحدث ما لم يتم دعم الحجر الصحي بأساور إلكترونية وفرض غرامات كبيرة وعقوبات بالسجن.
إن إجبار الوافدين إلى بلد ما على عزل أنفسهم هو أمر منطقي في وقت من تطور المرض، عندما يؤدي نقص الوعي والاختبار وتتبع الاتصال ومعدات الحماية إلى جعل المسافرين ناقلاً رئيسياً للفيروس. ولم تفعل بريطانيا ذلك عندما كان من الممكن أن يحدِث فارقاً حقيقياً مع الفيروس، ومن الصعب رؤية جدوى القيام بذلك الآن. كما أن معدلات العدوى أقل أيضاً في معظم البلدان الأخرى الآن (باستثناء الولايات المتحدة)، مما يشير إلى وجود مزيد من الخطر من السفر والسياحة المحلية في المملكة المتحدة.
وهناك أيضاً التكلفة الاقتصادية. فالزائرون الأجانب لا يطرقون باب بريطانيا في الوقت الحالي، نظراً للصعوبة التي تواجهها في السيطرة على الوباء. ولا تستطيع البلاد الاستمرار في إغلاق صناعة رئيسية لفترة أطول من اللازم، حيث إن المملكة المتحدة هي خامس أكبر سوق للسياحة في العالم، وتحقق إيرادات سنوية بقيمة 146 مليار جنيه استرليني، أي 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وتوظف 3.1 مليون عامل.
وحتى حكومة بوريس جونسون تبدو غير متيقنة من الإجراء. فقائمة الإعفاءات طويلة للغاية لدرجة أن الكثيرين لن يضطروا إلى البقاء في الحجر الصحي، حتى إذا كانوا قادمين لقضاء عطلة وليس لواجبات مهنية. كما أن إيرلندا مستثناة، لذلك يمكن لأي شخص من الناحية الفنية السفر إلى دبلن ثم إلى المملكة المتحدة (تطبق إيرلندا حالياً متطلبات الحجر الصحي الطوعي لمدة 14 يوماً للزوار الأجانب، والمقرر مراجعته في 18 يونيو). فإذا كانت هذه السياسة ضرورية للسيطرة على العدوى، فلماذا نجعلها غير منفذة؟
وقد يواجه المواطنون البريطانيون أيضاً إجراءات انتقامية. فقد استبعدت إسبانيا واليونان، وهما من الوجهات الشائعة لقضاء العطلات بالنسبة للبريطانيين، السائحين القادمين من المملكة المتحدة، من قائمة الدول التي يُسمح لسكانها بالسفر إليها عندما يتم رفع قيود السفر. وتسمح فرنسا لمواطني الاتحاد الأوروبي بالدخول دون البقاء في الحجر الصحي، لكنها أعلنت عن حجر صحي (طوعي) لمدة 14 يوماً لبلدان مثل بريطانيا «التي قررت سلطاتها بأسلوب غير منسق فرض حجر صحي لمدة 14 يوماً للقادمين إليها من الدول الأوروبية».
ومن الواضح أن إعادة فتح صناعة السفر والسياحة تمثل تحدياً، وبشكل أكبر عندما تنظر إلى المستويات المرتفعة للغاية من السياحة الداخلية التي ستختبرها بريطانيا هذا العام عندما يتجنب الناس الرحلات الجوية. ويمكن للحكومة رفع بعض القيود، لكن ربما ليس كلها إذا أرادت إبقاء معدل التنقل منخفضاً.

*كاتبة متخصصة في الشؤون البريطانية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»