في الوقت الذي تتركز فيه أنظار العالم تجاه عدد الإصابات والوفيات اليومي، الناتج عن فيروس كورونا، يستعر في الخلفية وباء آخر، خفي صامت، ربما قد يفوق عدد ضحاياه ضحايا كورونا. هذا الوباء -أو بالأحرى مجموعة من الأوبئة- ناتج عن تراجع، وأحياناً التوقف التام، لبرامج التطعيمات الموجهة نحو مكافحة الأمراض المعدية التي تصيب الأطفال، مثل الدفتيريا، والحصبة، وشلل الأطفال، والكوليرا، والمعروفة إجمالاً بـ «أمراض الطفولة».
ويُرد تباطؤ وأحياناً توقف برامج التطعيمات في العديد من الدول إلى أسباب عدة، منها، أولاً: خوف الأبوين من الإصابة بفيروس «كوفيد - 19»، إذا ما غادرا المنزل، واصطحبا طفلهما أو أطفالهم لمراكز التطعيم، حتى لو كانت القوانين المحلية لا تفرض حظر التجوال خلال ساعات عمل تلك المراكز. ثانياً: توجيه العديد من نظم الرعاية الصحية، لأفراد الطاقم الطبي العاملين في مراكز التطعيمات، تجاه المؤسسات الصحية الأخرى، ولدعم جهود مكافحة فيروس كورونا وعلاج المصابين به. ثالثاً: الاضطراب والاختلال الذي أصاب سلسة تصنيع، وتوصيل، وتنفيذ تلك التطعيمات، نتيجة ما تتعرض له حركة السفر ونقل البضائع والمستلزمات، على الصعيدين المحلي والدولي في دول العالم قاطبة. أضف إلى ذلك كله، أن منظمة الصحة العالمية نفسها، أوصت العديد من الدول، بوقف برامج التطعيمات مؤقتاً للمساعدة على وقف انتشار الفيروس.
هذا الوضع برمته، سيؤدي إلى وفيات الآلاف من الأطفال، والتي قد تصل في بعض التقديرات إلى أكثر من 6 آلاف وفاة يومياً، وهو ما يثير مخاوف جمة لدى الكثير من المؤسسات والمنظمات العاملة في مجال الصحة العامة على المستوى الدولي، وعلى رأسها منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة «اليونيسف»، والتحالف الدولي للتطعيمات «جافي» وغيرهما.
كما يرى البعض أن الثمن الإنساني الناتج عن توقف وتعطيل برامج التطعيمات جراء وباء كورونا الحالي، سيتخطى بمراحل آلاف الوفيات اليومية المتوقعة، حيث تتزايد المخاوف من أن في (عالم ما بعد كورونا) ستعود وبقوة العديد من الأمراض المعدية التي نجح الجنس البشري خلال الأعوام والعقود الماضية في دحرها، وفي تحجيم خطرها لحد كبير.
فداحة هذا الوضع برمته إذا ما صحت تلك التوقعات، يمكن إدراكها بسهولة من حقيقة أن فيروس الحصبة فقط، من بين مجموعة أمراض الطفولة المعدية، قتل عام 1990 أكثر من 630 ألف طفل، وهو الرقم الذي انخفض بحلول 2011 إلى 158 ألف وفاة، وظل ينخفض في السنوات اللاحقة، إلا أنه عاد للازدياد ليصل إلى 142 ألف وفاة العام الماضي. عشرات ومئات الآلاف من الوفيات تلك، كانت تقع في ظل وجود تطعيم آمن وفعال منذ عقد الستينات، يوزع من خلال برامج تطعيمات دولية، فما بالك بعدد الوفيات من هذا المرض فقط إنْ توقفت تلك البرامج.