هذه مقالتي رقم 13 في هذه الجريدة العريقة. ومن هذا الرقم سأبدأها بالحديث عن فيلم وثائقي أتاحته شبكة «نتفليكس» لمشتركيها قبل 4 سنوات تقريباً، تحت عنوان «الثالث عشر» في إشارة إلى التعديل الثالث عشر للدستور الأميركي، الذي منح السود الأميركان حريتهم بعد فترة استعباد طويلة.
يزعم صانعو الفيلم أن الرئيسين «ريتشارد نيكسون» و«رونالد ريجان» أطلقا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي حملات ممنهجة ضد المخدرات في المجتمع الأميركي، لا بقصد القضاء على استعمال وترويج المخدرات، كما كانت تقول أدبيات هذه الحملات، وإنما بهدف «تجريم السود»، الذين تنتشر بينهم هذه الآفة، وبالتالي الحصول على تعاطف «الديموقراطيين» البيض وخاصة الجنوبيين منهم، ليتحولوا إلى مناصرين للحزب «الجمهوري»!
الرئيس «الجمهوري» دونالد ترامب، في موقفه من المظاهرات التي تحدث في أميركا هذه الأيام، سار من حيث يدري أو لا يدري على هذا النهج «الجمهوري» العريق. بيّن موقفه أولاً من الإدارة «الديمقراطية» الضعيفة التي تتولى السلطة في مدينة مينيابولس بولاية مينيسوتا، ثم عاد بعد أن حقق «الانتصار الأول» للحديث بلغة صارمة وواضحة ضد المخربين الذين استغلوا مقتل «جورج فلويد» لممارسة العنف والقتل والنهب ونشر الخوف والذعر والهلع بين أوساط الأميركيين في مختلف الولايات، في طول البلاد وعرضها.
ترامب بموقفه المركب هذا، أصاب «الديموقراطيين» في مقتل، فقد أجبرهم في البداية على الدفاع الضعيف عن عمدة مينيابولس وحاكم ولاية مينيسوتا «الديموقراطيين»، ثم أجبرهم لاحقاً على الدفاع المرتبك عن العصابات التي وجدث في مقتل فلويد متنفساً لها. أجبر ترامب أرباب الحزب «الديمقراطي»، بضربة واحدة، على تبني «الإدارة الفاسدة» وتبرير «أعمال العنف».
وكما حدث في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، فإن الأحداث السياسية الأميركية في هذه الأيام تسير - في تقديري - في صالح «الجمهوريين»، إذ سيتعاطف البيض «الديموقراطيون» و«السود الصالحون» مع هذا النهج الذي يُدين «العصابات السوداء»، التي تهدد السلم والأمن، ما سينعكس على أجواء الانتخابات في الثلاثاء الأول من شهر نوفمبر المقبل.
 لغة ترامب الحادة والمتغطرسة (على وجه العموم) التي لا يستسيغها الكثير من المثقفين والإعلاميين الأميركيين (الذين لا يشكلون وزناً معتبراً ضمن جموع الناخبين)، تشكل فضاءً مقبولاً لدى «ناخب الصوت العالي» الذي يؤمن بعظمة أميركا وهيمنتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية على العالم، وأظن أن اللغة الحادة، في هذه القضية تحديداً، ستعبر بترامب إلى مربعات أبعد بكثير من مربعات الديموقراطيين في السباق الأميركي.
نجح ترامب في «أزمة فلويد» حتى الآن، كما نجح في تجاوز «أزمة كورونا» حينما قلب الطاولة على «الديموقراطيين» (لنسمها الخطة 12) بإصراره على تدوير عجلة الاقتصاد في ولايات أميركية عدة، معارضاً الدعوات «الديمقراطية»، التي كانت تدعو لاستمرار الإغلاق، ما ساعده في كسب أصوات الملايين الذين تسبب الحجر الصحي في فقدانهم لأعمالهم ومصدر رزقهم.
*كاتب سعودي