«إن النظام العالمي الجديد الذي نعيش في ظله يحتم علينا أن نعي ما يدور من حولنا ونبني أنفسنا لمواجهة أي طارئ قد يداهمنا بغض النظر عن مصدره وأهدافه»، تلك هي مقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والتي تُجسد توجه الدولة منذ إنشاء الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث في 2007 وهي التي تقوم بتنسيق جهود الجهات المعنية على المستوى الوطني والمحلي للاستعداد لمختلف الطوارئ والأزمات والكوارث. ومن أبرز إجراءات الاستعداد لمواجهة الطوارئ والأزمات هي تحليل الدروس المستفادة عقب كل حدث وذلك بهدف ضمان الاستجابة المثلى لتلك الأحداث مستقبلا.
والآن، ومع انحسار انتشار فيروس كوفيد-19 في الإمارات والعديد من دول العالم نتيجة جهود القطاع الصحي وترسيخ ثقافة الالتزام بالإجراءات الاحترازية واتباع الأفراد أقصى درجات الوقاية من الفيروس، سوف تبدأ دول العالم في تحليل الدروس المستفادة من سياسات التصدي لذلك الوباء ولقد أثبتت الإمارات تميزها في تحليل تلك الدروس والبرهان على هذا ما قامت به الدولة منذ عام 2009. فقد كان الاختبار الأول في ذلك العام هو وباء «أنفلونزا الخنازير إتش 1 إن 1» والذي واجهته وزارة الصحة ووقاية المجتمع بالخطة الوطنية لمكافحة الأوبئة المعدية التي تم تحديثها بعد ذلك بناء على الدروس المستفادة ثم تطبيقها في العام 2014 عند انتشار وباء متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والناتج عن فيروس «كورونا». ثم قامت الوزارة بالتنسيق مع الجهات المعنية والهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث بتحليل الدروس المستفادة عقب أزمة 2014 وتحديث الخطة الوطنية والتدريب عليها لمدة ست سنوات إلى أن تم تفعيلها مطلع العام الحالي للتصدي لفيروس كورونا المستحدث كوفيد-19. وستقوم الجهات المعنية مجددا بتحليل الدروس المستفادة عقب انتهاء الأزمة الحالية وتحديث الخطة الوطنية لمكافحة الأوبئة المعدية والتدريب عليها للاستعداد لأي أزمة مماثلة في المستقبل.
إضافة إلى الدروس المستفادة على الجانب الصحي، هناك أيضا الدروس الخاصة بالجانب الاقتصادي والمتمثلة في متانة البنية الاقتصادية للدولة بقطاعاتها المختلفة وعدم انهيارها أو إلحاق الضرر بها كما حدث في العديد من دول العالم الأخرى. ثم هناك الدروس المستفادة على الجانب الإعلامي إذ نجحت بامتياز الخطة التي وضعها المجلس الوطني للإعلام بالتنسيق مع الجهات الإعلامية في الدولة إذ كان للإعلام دور بارز في نشر الوعي في المجتمع حول وسائل الوقاية من الوباء. ومن أبرز الدروس المستفادة أيضا، المبادرات التي قامت بها شريحة كبيرة من مواطني الدولة الذين عرضوا المنتجات الغذائية لمزارعهم بأسعار مخفضة لسد النقص في السوق المحلية، بجانب قطاع آخر من المواطنين قاموا بتخصيص عقاراتهم الخاصة لتكون تحت تصرف الحكومة لمعالجة المصابين بالفيروس. أضف إلى ذلك الدروس المستفادة على صعيد البنية التحتية في تقنية المعلومات والاتصالات والتي ساهمت في تنفيذ توجيهات الحكومة في مجال التعليم والعمل عن بعد.
ولكن برأيي ان أهم الدروس المستفادة من تلك الأزمة هو نجاح رؤية القيادة في الاستثمار في العنصر البشري المواطن، والذي ضرب أروع الأمثلة في تنفيذ توجيهات القيادة أثناء الأزمة وخاصة المواطنين العاملين في القطاع الصحي، والذين أشاد بجهودهم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بقوله: «أنتم ‬فخر ‬الإمارات ‬وتضحياتكم ‬وجهودكم ‬في ‬خدمة ‬كل ‬من ‬على ‬هذه ‬الأرض ‬مقدرة، ‬وهي ‬مصدر ‬فخر ‬واعتزاز ‬وإلهام»‬.