الإيجابية والأمل روح تبثها قيادة الإمارات فينا كل يوم، ملخصها أن الآتي خير مما فات.. هكذا صنعنا في دولة الإمارات نموذجاً عربياً فريداً، تميز بسمات النجاح والتي من أهمها المرونة، فالركون إلى ما تحقق من إنجازات والتفاخر بها، والتوقف عن التجديد من سمات الفاشلين. هل رأيتم ماءً جارياً يصيبه العفن؟ كذلك الدول عندما تتوقف عن الحلم، وتمتنع عن الإنجاز يصيبها التأخر الحضاري، فتعيش على أمجاد التاريخ، ولا تؤثر على الواقع، ولن تصنع المستقبل.
هذه المقدمة هي صدى لتوجيهات سامية ملخصها أن الإمارات بعد «كورونا» لن تكون كما كانت، بل ستُحلق في مجال الإبداع والإنجاز، وستخرج من هذه المحنة بمنحة جديدة ملخصها نحن أفضل مع التجدد. رسالة وصلت للجهات الحكومية كافة، بعضها بدأ في إعداد العدة، وخطط لما بعد الأزمة بمراجعة الأهداف الاستراتيجية، وكيف كانت خطط تنفيذها قبل «كورونا»، وخلال فترة العمل عن بُعد وما هي الدروس المتعلمة، وأهم القرارات المستقبلية المرتبطة بهذه التجربة. تبين لكثير من الدوائر والمؤسسات أننا قبل «كورونا» كنا نمارس طقوساً في العمل نظنها من الثوابت، لكن الأزمة بينت لنا أنها متغيرات، وقد حان وقت تجاوزها. ولعل أبسط مثل على ذلك الوظائف التي لا تتطلب حضوراً لمقر العمل، بيد أننا كنا نجبر من امتهنها على الانتظام في مكاتبهم، وقد بينت لنا الجائحة أن إنتاجيتهم من خلال عملهم في منازلهم تجاوزت التوقعات.
سؤال بدأ يطرح نفسه: ما هي المتغيرات والثوابت في بيئة العمل الناجحة، وكيف ننجح في الانتقال لبيئة عمل فاعلة؟ الإجابة لا يمكن حصرها في هذا المقال، بيد أن ملخصها يتمحور حول نمط الإدارة التي نحن بحاجة إليها بعد «كورونا».
والمثل المشهور في التطوير المؤسسي يقول: السلم ينظف من فوق، فمن الحماقة أن تطلب تغيراً جوهرياً في بيئة عمل ترفض قيادتها الإدارية مبدأ المرونة والتغيير، وسنلاحظ أنه بمجرد عودة الموظفين إلى مكاتبهم «رجعت حليمة لعاداتها القديمة»، بدأ هذا المدير يمارس طقوسه القديمة من التأكيد على تصورات غير سليمة، فهو لا يهمه الإنجاز بمقدار ما يهمه وجود الناس حوله وحاجتهم للتقرب له. في بيئة العمل هذه ينجح المتسلقون؛ لأنهم يجيدون السباحة مع التيار، ويتقنون فن المجاملة، ولو كان على حساب المصلحة العليا للمؤسسة. وفي مقابل ذلك، تتم خسارة المبدعين؛ لأن عقلهم لا يسمح لهم بهدر أوقاتهم كما فعل أشياعهم، فيعزلون أنفسهم في شرنقة التفكير والإنتاج بينما ينال غيرهم الترقية، هذا نموذج للفشل المؤسسي الذي أتمنى ألا يطال مؤسساتنا، ولن ننجح في ذلك دون قرارات صعبة تزيل عوائق التجديد والابتكار، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية وما وراءها.
*أكاديمي إماراتي