طرحت الزيارة التي قام بها وفد القيادة الأميركية العسكرية للقارة الأفريقية «أفريكوم» برئاسة الجنرال «ستيفن تاونسند» إلى غرب ليبيا بداية الأسبوع الماضي علامة تساؤل حول أبعاد الدور الأميركي على صعيد الأزمة الليبية، وما الذي استدعى هذا التحرك السريع، بعد طول انتظار. الشاهد أن الدور الأميركي غريب وغامض وغير واضح المعالم ولا الملامح. وقد يكون الأمر عن قصد ونية، لا عن ارتباك كما يخيل للبعض، فالدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة، حتى وإن كانت القطب الأول بين متقدمين، تبقى أهدافها الاستراتيجية واضحة أمام أعينها، وإن لزم الأمر الاستدارة حول التضاريس الجغرافية لتحقيق أهدافها. شاركت واشنطن كرأس حربة للناتو في إسقاط نظام القذافي، ثم انسحبت من المشهد الليبي، إلا في ما يتعلق بعمليات القوات الخاصة التي كانت تلجا إليها من وقت إلى آخر.
في هذه الأثناء لم يكن واضحاً أن هناك زخماً سياسياً أميركياً لإنهاء مشهد الصراع في الداخل الليبي، وبدا وكأن واشنطن تحاول أن تقف على مسافة واحدة من الفرقاء، وأن تمسك بخيوط اللعبة من بابها إلى محرابها.
رأينا في بداية العام الجاري اتصالاً من الرئيس ترامب مع المشير حفتر، وتشجيع الرئيس الأميركي له على محاربة الإرهاب على الأراضي الليبية، وكان القصد واضح، ولا يحتاج إلى تفسير، فالإرهاب موجود في الغرب الليبي، وبما لا يمكن إنكاره.
لكن على الجانب الآخر، تابعنا تواصل السفارة الأميركية في طرابلس مع جماعة «الوفاق» والاعتراف بأنها «ممثل السلطة الشرعي»، والتنسيق معها إلى حد أن هناك اتهامات روسية موجهة للادارة الأميركية بأنها قامت بالفعل في الأسابيع الأخيرة بإرسال شحنات أسلحة عبر طائرات عسكرية أميركية من مطار «رامشتاين» في ألمانيا إلى «الوفاق».
من نصدق، أميركا ترامب، أم أميركا الجنرالات وجماعة المجمع الصناعي العسكري الذي يدير حال ومآل الولايات المتحدة؟
من الواضح أن هناك ضبابية مقصودة من واشنطن حول أهدافها الحقيقية، وهي موصولة بالماضي..ماذا يعني ذلك؟ ذاكرة الامبراطوريات مثل ذاكرة الأفيال، لا تنسى الماضي، وعند لحظة بعينها تثأر لما لحق بها من مهانة، وهذا ما جرى تجاه القذافي الذي طرد الأميركيين من القواعد العسكرية في «الوطية»، و«معتيقة». هل هي عودة للعم سام على شواطئ المتوسط؟
لقد خسر الأميركيون مربع نفوذ مهماً واستراتيجياً على ساحل المتوسط شرقاً عند سوريا، وباتت قاعدة «حميميم» أرضاً «روسية». والآن بات من شبه المؤكد أن الروس قد رتبوا أوراقهم في شرق ليبيا، لأكثر من قاعدة، بل وجود يعوض خسائر العقد الاخير، ولهذا جاء الرد الأميركي سريعاً لاسيما وأن السراج قد دعا الأميركيين لإنشاء قاعدة لهم هناك. من يخبر «كارل ماركس»، أن التاريخ يكرر نفسه، وأن سيناريو تقسيم ليبيا ماض على قدم وساق، ما يمثل الملهاة الأكثر حزناً من المأساة؟ لو لكان البيت الليبي مرتباً من الداخل، لما تجرأ أحد على بعثرة محتوياته، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
*كاتب مصري