كيف يمكن تفسير الأزمة التي شهدتها مؤخرا بلدة «كوكيل» الساحلية النائية بولاية أوريغون؟ كوكيل منطقة هادئة تشتهر بقطع الأشجار وتجارة الخشب، ويبلغ عدد سكانها 3800 نسمة، جميعهم تقريبا من البيض. بلدة تبعد بكيلومترات وكيلومترات عن أقرب مدينة. فعاصمة الولاية، بورتلاند، تبعد عنها بحوالي 400 كيلومتر إلى الشمال، وسان فرانسيسكو بحوالي 800 كيلومتر إلى الجنوب.
ولكن قناة «فوكس نيوز» أصابها ما يشبه الهوس بالمشاغبين والناهبين، والرئيس دونالد ترامب يحذّر من الحركة المناوئة للفاشية المعروفة بـ«أنتيفا». ففي وقت سابق من هذا الشهر وبينما كانت مجموعة صغيرة من السكان المحليين تخطّط لتنظيم مظاهرة سلمية مؤيّدة لحركة «أرواح السود مهمة» في كوكيل، انتشرت شائعات تفيد بأن ثلاث حافلات على متنها نشطاء «أنتيفا» تتجه نحو كوكيل لتعيث في البلدة فسادا.
ونتيجة لذلك، ارتدى «الشيريف» ونوابه سترات واقية من الرصاص، وحضّروا مدرعات عسكرية، واتخذوا مواقعهم من أجل التصدي للغزو. كما احتشد 200 من السكان المحليين تقريبا، بعضهم يحمل بنادق وآخرون الأعلام، من أجل حماية بلدتهم (ما غطى على العدد القليل من الأشخاص الذين كانوا جاؤوا من أجل رفع لافتات «أرواح السود مهمة»).
وقال رجل، يدعى تيموثي روبينيت، لصحيفة «ذا وورلد» المحلية «أشعر بأني في وضع دفاعي وأرغب في حماية بلدتي».
وفي الأثناء، حذّر «شيريف» من مقاطعة مجاورة، يدعى جون وارد، المواطنين في منشور عام على فيسبوك من شائعات تفيد بأن المُعادين للفاشية يمكن أن يأتوا إلى منطقته أيضا ويعيثوا فيها فسادا.
وقال: «لقد بلغني أنهم يريدون القتال». وأضاف أنه لا مشكلة لديه مع المحتجين السلميين – وكانت مظاهرة لحركة «أرواح السود مهمة» قد نُظمت بشكل سلمي في بلدة بروكينغز – ولكنه لفت إلى أن المواطنين قد يرغبون في مساعدة الشرطة على التصدي لهجوم «أنتيفا».
وقال: «بدون أن نطلب ذلك، أنا على يقين أن لدينا الكثير من الشبان المحليين المسلحين الذين سيحمون مواطنينا».
وطبعا، لم يأت أي فوضويين مشاغبين، وانتهت معركة كوكيل من دون أن تبدأ.
ولكن هستيريا مماثلة حول غزو «أنتيفا» اندلعت عبر البلاد. فقد سألتُ من يتابعونني على فيسبوك كيف يمكن أن ينخدع مواطنون نزهاء ويسقطوا ضحايا لمثل هذا الخوف، فذُهلت للعدد الكبير من القصص المماثلة في بلداتهم – ما يخلق أوضاعا خطيرة أحيانا.
ففي «فوركس»، بولاية واشنطن، التي يشكّل البيض معظم سكانها، اعتُقد أن أسرةً متعددةَ الأعراق من بلدة سبوكين كانت مخيمة في المنطقة جزءٌ من مظاهرة مزعومة لـ«أنتيفا»، مثلما روّجت لذلك بعض الشائعات. وأفادت صحيفة «ذا بينينسولا دايلي نيوز» المحلية بأن السكان المحليين واجهوا الأسرة بشراسة – وكانت تتألف من أم وأب وابنة في السادسة عشرة وجدة – واتهموا الزوار بالانتماء إلى «أنتيفا».
تعقبت مركبةَ الأسرة أربعُ سيارات من فرق الحماية الذاتية، وكان بعض أعضائها مسلحين، وأُسقطت أشجار على الطريق لمنع الزوار من مغادرة الموقع الذين يخيمون فيه (أربعة طلاب في المدرسة الثانوية أنقذوهم عبر قطع الحطب بواسطة منشار آلي، ثم أوصلهم نواب الشيريف إلى منطقة آمنة).
إن كل هذا جنوني! فأن تخيف مجموعة من المسلحين المخيّمين بسبب لون بشرتهم على ما يبدو – ويعتقدون أنهم أبطال يدافعون عن منطقتهم -- مؤشرٌ لأي حد أصبح الخطاب العام خادعا ومضللا، ولمدى انفصاله عن الواقع.
كما أن كل هذه البشاعة قد تكون أيضا نافذة تفيد في استشراف الاضطرابات التي قد تحدث هذا الشتاء في حال هُزم ترامب وادّعى أن الانتخابات سُرقت منه من قبل المهاجرين الذين صوّتوا بشكل غير قانوني.
والواقع أنه سبق لي أحيانا أن شاهدتُ هستيريا جماعية في بلدان أخرى. ففي إندونيسيا الريفية، كتبت مرة عن جماعة كانت تقطع رؤوس أشخاص تعتقد أنهم سحرة، ثم تحمل رؤوسهم على أسنة الرماح. ولكني لم أتخيل أبدا أن الولايات المتحدة يمكن أن تغرق في مثل هذا الهذيان والهيجان.
«أنتيفا»، هي تصغير لكلمتي أنتي-فاشيست  أي «المعادية للفاشية» وهذه الحركة لم تقتل أي أحد ويبدو أن لديها حضورا هامشيا فقط في احتجاجات «حياة السود مهمة»، إذ لا أحد ممن أُوقفوا ووُجّهت لهم تهم فيدرالية خطيرة على خلفية الاضطرابات الأخيرة كانت له علاقة بـ«أنتيفا».
ومع ذلك، فإن لدى الحركة وضعا أسطوريا في بعض خطابات الجناح اليميني، وترامب و«فوكس نيوز» لم يؤلوا جهدا في تضخيم التهديد (صحيفة «ذا سياتل تايمز» وجدت أن«فوكس نيوز» زيفت الصور وتلاعبت بها من أجل تضخيم الاضطرابات في مدينة سياتل).
كما حاول متطرفون التلاعب بمخاوف الجمهور. فقد جاء في حساب على تويتر تديره مجموعة تنتمي إلى«أنتيفا» على ما يفترض، في 31 مايو:«الليلة هي موعدنا... ننتقل إلى المناطق السكنية... بأغطية الرأس البيضاء... ونأخذ ما لنا». ولكن تويتر أعلن لاحقا أن الحساب يديره في الحقيقة عنصريون بيض يدّعون أنهم من«أنتيفا».
هذه المخاوف بشأن«أنتيفا»، تتقاطع فيها العنصرية مع الهستيريا، في بلد لديه من الأسلحة أكثر مما لديه من السكان. وهي تظهر عندما ينتهز رئيس يكذب كل فرصة لعدم معالجة انقساماتنا الوطنية وإنما لتأجيجها، في زمن بات فيه الناس يعيشون في بيئة إخبارية لا توفّر فرصة للتذكير بالواقع وتصحيح التصورات الخاطئة، وإنما تُلهب الأحكام المسبقة وتغذّي المخاوف.
كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/06/17/opinion/antifa-protests.html