لا يمكن لدول أوروبا أن تدير ظهرها للمسألة الليبية، أياً كان المسار الذي ستمضي فيه، سواء كان التسوية السلمية الفعالة والمستقرة، أم هو الحرب، أهلية أو ضيقة، أو بالوكالة، أو حتى حرب مفتوحة تنزلق إلى الانخراط فيها أطراف إقليمية ودولية. فالمصالح الأوروبية في ليبيا كبيرة، وهي التي تحكمها بالأساس، بعيداً عن أي حديث يتعلق برفض الاستبداد والمساعدة على جلب الديمقراطية، فأوروبا، كغيرها من الدول، تحركها دوافع تعظيم مكاسبها، وتقليل خسائرها، أو على الأقل الحفاظ على الموجود من مصالحها في ليبيا، وهو كان مرضياً ومجزياً. 
وأولى هذه المصالح تتعلق بالنفط، فأوروبا عينها على النفط الليبي زمناً طويلاً، لاسيما بعد أن قرر العقيد القذافي منع تصدير نفط بلاده إلى الولايات المتحدة الأميركية، عقب اعتدائها على ليبيا عام 1986، وكان يتساهل إلى حد بعيد، سواء في فتح أرض ليبيا للشركات الأوروبية، كي تُنقب عن النفط وتستخرجه، ومن أبرزها شركة «إيني» الإيطالية التي تعد أكبر الشركات النفطية في ليبيا، و«توتال» و«شلمبرجير» الفرنسيتان، و«إكسون موبيل» و«كونوكو فيليبس» و«بيكر هيوز» و«هاليبرتون» الأميركية، وشركة «فينتر شال الألمانية، وشركة «أو أم في» النمساوية، و«بريتش بتروليوم» البريطانية، و«غاز بروم» و«تات نفت» الروسيتين، و«ريبسول» الإسبانية. 
كما أن أوروبا تحظى بأفضلية ملموسة في تصدير النفط، لاسيما في ظل القذافي الذي كان يستعمل قدرات ليبيا النفطية دوماً في تحقيق مكاسب، أو صناعة توازنات سياسية تحمي نظام حكمه. وكان هذا الأمر مجزياً ومرضياً لدول أوروبية صناعية، نظراً لأن ليبيا تنتج ما يربو على مليوني برميل نفط يومياً، وهو نفط عالي الجودة، بينما تكاليف استخراجه قليلة، مثل ما هي الحال في نفط دول الخليج العربية.
وثاني هذه المصالح يرتبط باكتواء أوروبا بنار الإرهابيين غير مرة، حيث انتقلوا من استهداف المصالح الأوروبية خارج القارة العجوز، إلى الضرب في عقر دارها، فوجدنا تفجيرات واعتداءات مسلحة في لندن وباريس وبرلين وروما ومدريد وأمستردام وبروكسل وغيرها. وهنا تخشى أوروبا من أن تتحول ليبيا إلى «وطن بديل»، أو «بقعة جغرافية جاذبة» للتنظيمات الإرهابية التي جاءت إلى الأراضي الليبية من كل حدب وصوب، فإذا تمكنت من البقاء، وقويت شوكتها، فإنها لا محالة ستهدد أوروبا، إلى جانب تهديدها بالطبع لجيران ليبيا من الدول العربية. وبات الأوروبيون يأخذون هذه التهديدات على محمل الجد، لأن نجاح الإرهابيين في إيجاد موطئ قدم لهم، يعطيهم فرصة لبناء شبكات علاقات مع تنظيمات صغيرة بين المهاجرين، أو حتى الأوروبيين الأقحاح، مثلما وجدنا وقت صعود «داعش» بعد اقتطاعه جزءاً من أرض سوريا والعراق، كما يشجع ما يسمى بـ «الذئاب المنفردة» على التحرك العنيف المؤذي.
ويتعلق ثالث المصالح بمسألة تدفق موجات هجرات غير شرعية منطلقة من الأراضي الليبية، إن استمرت مفتقدة لحكومة مركزية تفرض سلطانها على كامل ترابها الوطني، وتمارس دورها، بالتنسيق مع الأوروبيين، في منع هذه الظاهرة التي باتت تشكل تهديداً شديداً للأمن الاجتماعي والسياسي لدول أوروبا الكبرى، التي يقصدها المهاجرون بحثاً عن رزق، أو بمعنى أدق، هرباً من ضيق العيش في بلدانهم. ومن المعروف أن السواحل الليبية باتت تشكل نقطة انطلاق لمهاجرين قادمين من سائر دول أفريقيا، بما فيها الدول العربية المجاورة لليبيا.
وعلاوة على هذه المصالح الثلاث الأساسية، لا يمكن أن ننكر دوراً آخر، حتى لو كان ضئيلاً، ألا وهو الشعور بالذنب لدى الأوروبيين حيال اشتراكهم، عبر حلف «الناتو»، في إسقاط حكم القذافي، بعد انطلاق ثورة شعبية ضده، دون تفكير في ترتيب مرحلة ما بعد رحيله. فغياب هذا الترتيب قاد ليبيا إلى الفوضى، وفتح الباب أمام جماعات إرهابية للقدوم إليها، أو جعل ساحل ليبيا مقصداً للمهاجرين غير الشرعيين، بل إنه عطل إنتاج كامل النفط الليبي، بعد أن باتت آباره ومصافيه موضع صراع مصلح شديد.