عندما نتحدّث عن النهضة الشاملة والتنمية المستدامة في دولة الإمارات العربية المتحدة، يقفز إلى الذهن فوراً موضوع الزراعة التي تشكل الضلع الثالثة من أضلاع مُثلث الإنتاج إلى جانب كلّ من الصناعة والخدمات، وهو ما يؤشر إلى المكانة الكبيرة التي تحظى بها، والأهمية الأساسية التي يجب أن تُولَى لها، لتحقيق التوازن الاقتصادي من ناحية، وسدّ واحدة من أهم الثغرات الاستراتيجية التي تُؤتى من قِبَلها الدول والمجتمعات، من ناحية ثانية.
ولا شك في أنّ أهمية الزراعة باعتبارها نشاطاً إنسانياً أزلياً أبدياً، تنبع من ارتباطها بأسباب الحياة، ودورها المركزي في سلسلة الإنتاج، باعتبارها المصدر الأساسي للغذاء ولمعظم المواد الأولية التي يحتاج إليها الإنسان، ويعتمد عليها لتسيير شؤون حياته، يُضاف إلى ذلك كونها ركناً أساسياً من أركان التوازن البيئي، وهو ما يعني بالنتيجة أن الحياة على الأرض لا يمكن أن تستمر من دونها، ولا أن تستقيم في حال إهمالها أو إضعاف دورها.
لهذه الأسباب كلّها، ونظراً إلى ارتباطها بالموروث الديني والحضاري أيضاً، كانت الزراعة بشقيها النباتي والحيواني محلّ اهتمام كبير في دولة الإمارات منذ قيامها، وذلك على الرغم من محدودية الموارد اللازمة لازدهارها في الأحوال الاعتيادية، وفي مقدّمة ذلك شحّ مصادر المياه، وقسوة المناخ، وطبيعة التربة الرملية، وارتفاع معدلات الملوحة فيها، وغير ذلك من العوامل التي كان يرى البعض في ظلها عدم وجود فرصة حقيقية وعملية لقيام زراعة مُجدية ومنتجة، وعلى نطاق واسع، وهو ما تعامل معه المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على أنه تحدٍّ أصرّ على قهره لتتحوّل الصحراء على يديه إلى حدائق، ولتُصبح دولة الإمارات واحدة من أكثر دول العالم زراعةً لشجرة النخيل المباركة، وبمجموع يتجاوز المليون نخلة.
لقد آمن الشيخ زايد، رحمه الله، بأنّ أرض دولة الإمارات خيّرة ومعطاءة، وبأن ظهرها سيجود بخيراته على أبنائها كما جاد باطنها، فحارب التصحّر، وأصرّ على توسيع الرقعة الخضراء، ووجّه بإنشاء المزارع وتوزيعها على المواطنين، وشجّع الزراعة، وحرص على غرس حبّها في وجدان أبناء الوطن ليتوارثه الأبناء عن الآباء، ذلك أن الزراعة مَدعاة إلى حب الأرض والتعلّق بها، ودرب من دروب غرس الروح الوطنية وتعزيز الانتماء لدى الأجيال.
بفضل تلك الرؤية الثاقبة، والعزيمة التي لا تلين، التي ورثتها القيادة الرشيدة لدولة الإمارات عن القائد المؤسّس، استطاعت الدولة تحقيق العديد من الإنجازات، بل الاختراقات العلمية في المجال الزراعي، فبعد أن توسَّعت زراعة الأشجار المُثمرة والخضار والفواكه المتنوعة، توسّعت الطموحات والتطلّعات، وتطوّرت الأساليب والتقنيات، وركّزت دولة الإمارات في استراتيجياتها في هذا المجال على زراعة محاصيل استراتيجية، من بينها القمح والأرز اللذان حقّقا نتائج متميزة ومبشرة، وبدأت بجلب وزراعة العديد من الأنواع والأصناف التي لم تكن موجودة في المنطقة، مُنطلقةً في ذلك من نظرة بعيدة المدى، واستراتيجية تستهدف التحوّل من الاعتماد شبه الكامل على الاستيراد في مجال توفير الغذاء، إلى دولة منتجة له، والسير على طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي في العديد من المحاصيل.
في هذا السياق، يأتي تأكيد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله - خلال زيارته مزارعَ نموذجية لعدد من شباب الوطن - على أهمية قطاع الزراعة وحيويته، نظراً إلى ارتباطه بالأمن الوطني بمفهومه الشامل، وكونه ركناً أساسياً ضمن استراتيجية دولة الإمارات لتحقيق الأمن الغذائي، وبناء اقتصاد مستدام، وتأكيد سموه على إسهام هذه المزارع وغيرها داخل الدولة في تعزيز الاكتفاء الذاتي، والتقليل من الاعتماد على الخارج في مجال الإنتاج الزراعي.
أنْ تأكل ممَّا تزرع، أول خطوة على طريق تحقيق الأمن الغذائي، الذي هو مطلب ضروري لتعزيز مكانتكَ وتحقيق ما تطمح إليه، ودولة الإمارات بقيادتها الرشيدة تسير على هذا الطريق بهمّة لا تعرف الكلل ولا الملل حتى تحقيق الاستدامة، وتعزيز منظومة الأمن الغذائي، وهو ما يتطلّب من كل مهتم ومعنيّ في هذا الوطن التجاوب مع توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بالاستثمار الأمثل في الزراعة، وتطوير أساليبها، وزيادة إنتاجها عبر الاستفادة من الابتكارات والأساليب الحديثة في هذا المجال، مع المحافظة على معايير الاستدامة والجودة والتنافسية.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية