من يعتقد أن الفكر ليس له ولاء عند صاحبه، عليه مراجعة نفسه، الإنسان يقوده عقله، والعقل مداره التفكير، وطريقة التفكير مرتبطة بمعايير يبرمج بها الإنسان نفسه، ووفق تلكم المعايير يتحكم الإنسان في مشاعره وعواطفه، وتتكون ميوله وتطلعاته، وولاؤه وبراؤه.
والعرب من أشد الناس تزمتاً في ولاءاتهم الفكرية ومرجعياتهم العقلية وانتماءاتهم الحزبية، وقد قيل أثناء المد الشيوعي العربي: إذا أمطرت السماء في موسكو فتح الشيوعيون العرب مظلاتهم في أوطانهم، لكن المد الشيوعي والاشتراكي، وغيرها من حركات التفكير الراديكالية، فشلت في عواصمها الفكرية، واندحر مدها الأيديولوجي في العالم العربي.
كان من أسهل طرائق التعامل مع هذه الحركات في الوطن العربي، أن سمحت بعض الحكومات لتيارات الحراك الإسلامي بالنهوض، وتشكيل أحزاب وتنظيمات تعددت لها المسميات، بيد أن أشهرها كانت جماعة «الإخوان»، التي لا يكاد يخلو قطر عربي من أنشطتها الحزبية بمسميات مختلفة، شعارها المعلن الصحوة الدينية، وهذا ما جعل بعض الشباب المسلم يتجه إليها للانتماء لها، وزعم مريدوها أنها تسهم في إيجاد صحوة دينية أمام الانحرافات الفكرية العربية. 
لكن من يقرأ في مرجعيات تلك الجماعة، يجد شعارهم المشهور علانية الدعوة وسرية التنظيم، فما يراه عامة الناس يتلخص في أنشطة تعليمية وجمعيات خيرية وفعاليات مجتمعية لا غبار حولها، لكن تلكم الأنشطة مجيرة لغاية واحدة، وهي خدمة الأهداف غير المعلنة، والتي تتلخص في الوصول للحكم والسلطة، وهذا ما كشفته لنا صحائف التاريخ في دول ما يعرف بـ«الربيع العربي»، فقد تحولت تلك الجماعات إلى أحزاب متسلقة، تمكنت من استثمار العاطفة الدينية لدى المسلمين لإيصال رموزهم لسدة الحكم، وعندها تجلت للناس الأهداف غير المعلنة لتلكم الأحزاب المنظمة.
أخطر ما في القضية الحزبية، أن يتخلى الإنسان عن وطنه من أجل حزبه وفكره، وهذا هو الولاء الحزبي الذي تربي عليه نفر من المسلمين، حتى بات أمن وطنهم آخر طموحاتهم، وقد رأيناهم يتسابقون لانتقاد بلدانهم، ليس من أجل الإصلاح، كما يدعون، لكن سعياً منهم لإثبات وجهة نظرهم، التي تتلخص في أن مستقبل الأوطان لا يتحقق إلا عبر مشاريعهم الفكرية ومرجعياتهم التنظيرية.. هذا سر ولائهم المعاصر لتركيا، فأسهل طريقة لاكتشاف الولاء البحث في مضان الإعجاب والتقدير، فهم ينتقدون مشاريع أوطانهم، ويهللون لإنجازات من يوالونهم، لِمَ لا والفكر الذي يريدونه اليوم عاصمته إسطنبول، بعد أن كانت عاصمة فكر بعض العرب موسكو.
هناك بون شاسع بين أن تكون مسلماً معتزاً بعقيدتك، منتمياً لوطنك، وبين أن يكون الإسلام مطية لتحقيق أهداف حزبية ضيقة، لقد رفع المنشقون عن الخلافة راية تحكيم القرآن، كما قال لنا أهل التاريخ فكان حقاً أُريد به باطلاً.. والتاريخ يعيد صناعة نفسه، لكن عبر مسميات جديدة، يجمعها الولاء للفكر والبراء من الوطن.