ليست خطورة انتشار جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في حاجة إلى توضيح، فهي تعلن نفسها في عدد الضحايا، الذي تجاوز 540 ألف شخص حول العالم، وفي خسائر هائلة لم تستثنِ مجالاً من مجالات النشاط الإنساني إلا وتركت عليه بصماتها الموجِعة. وكل تهاون في مواجهة هذه الجائحة، إنما يعني فتح الباب أمام مزيد من فقدان الأرواح، وتعميق الخسائر الاقتصادية والاجتماعية، ومنح المرض فرصة لمواصلة تمدُّده. 
وقد شدَّدت الدكتورة آمنة الضحاك الشامسي، المتحدث الرسمي باسم حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، في الإحاطة الإعلامية رقم 46، يوم الاثنين 6 يوليو 2020، على ضرورة التقيُّد التام بتعليمات الوقاية والسلامة، ولاسيما مع عودة المؤسسات والأنشطة الاقتصادية في الدولة إلى العمل بطاقتها الكاملة. ويكتسب هذا التنبيه أهميته في ظل الارتفاع الطفيف لحالات الإصابة في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وما رُصِد من تهاون البعض في التزام الإجراءات الوقائية.
وقد دفعت الدول، التي لم تأخذ خطورة فيروس كورونا في بدايته على محمل الجدّ، ثمناً باهظاً من أرواح أبنائها، ومن مقدراتها الاقتصادية وأمنها المجتمعي، وتضرَّرت الصور الذهنية لدول كبرى فقدت كثيراً من رصيد هيبتها ومكانتها في العالم. وهذا الدرس المُكلِّف لعواقب التهاون والتساهل يجب أن يكون ماثلاً أمام أعيننا جميعاً.
ويلزم هنا تأكيد أن طبيعة فيروس كورونا، وآليات انتشاره، والأضرار المترتبة على الإصابة به، لا تزال مجهولة في كثير من جوانبها، وأننا ربما نواجه موجة أخرى أكثر خطراً وفتكاً. ويوماً بعد يوم تتكشف حقائق جديدة عن المرض، فقد كتبت إدريان ماتي، بصحيفة «الجارديان» في 7 يوليو الحالي، أنه حتى الذين يصابون بأعراض خفيفة لكورونا قد يعانون آثاراً جانبية دائمة لا تتوقف عند الرئتين والدم، بل تمتد إلى الكُلى والكبد والدماغ، وربما يكون بعضها قاتلاً. ويربط الأطباء كذلك بين حالات كورونا الخفيفة والجلطات والسكتات الدماغية.
إن مواجهة كورونا حرب حقيقية يقوم النصر فيها على ركنين؛ أولهما هو جهود الدولة وإجراءاتها الحازمة والسريعة لاحتواء المرض. والركن الثاني هو التجاوب والالتزام التامَّان من جانب الجمهور. ولقد أدَّت دولة الإمارات العربية المتحدة دورها، منذ اللحظة الأولى للأزمة، واتخذت الإجراءات اللازمة للحفاظ على أرواح كل مَن يقيم على أرضها، وقدمت الرعاية الصحية الكاملة إلى المصابين. وفي هذا الإطار كانت دولة الإمارات هي الأولى في إجراء فحوص كورونا على مستوى العالم، حيث تجاوز عددها ثلاثة ملايين ونصف مليون فحص حتى نهاية يونيو الماضي. وسيشهد شهرا يوليو وأغسطس 2020 إجراء مليوني فحص، وفقاً لما جاء في الإحاطة الإعلامية، وهو ما يمثل خط دفاع متقدّماً وحصيناً أمام الوباء.
لقد أدت دولة الإمارات دورها كاملاً، في ظل إشراف ورعاية ومتابعة مستمرة من القيادة الرشيدة، وتضافرت جهود كل المؤسسات المعنية من أجل مواجهة المرض والتغلُّب عليه، وظهرت ثمار هذا الجهد الهائل في شهادات وتقييمات عالمية موثوق بها، طوال الأشهر السابقة، وضعت الدولة في صدارة الدول التي نجحت نجاحاً باهراً في اختبار كورونا الصعب. ويبقى الركن الثاني للانتصار الكامل، وهو المتعلق بدور الجمهور.
إن خطورة التهاون، ولو من جانب قلة لا تُذكَر، تعود إلى الطبيعة الوبائية للمرض، إذ يكفي أن يتهاون بضعة أفراد في تطبيق الإجراءات الوقائية، عن قصد أو غير قصد، لينشِب الفيروس مخالبه في مئات، وربما آلاف الضحايا، خلال أيام قليلة. وهذه مسؤولية أخلاقية يجب أن يشعر كل فرد بنفسه بأهميتها، وينشر الوعي بها، وينبه إلى خطورة التساهل فيها. والواقع أن التزام الإجراءات الوقائية ليس أمراً صعباً أو مُتعذّراً، ولذا فإن تطبيق الإجراءات القانونية على المخالفين في هذه المرحلة الحساسة يجب أن يكون حازماً وسريعاً وشاملاً ليردع المتهاونين، ويوقف استهانتهم بأرواح البشر.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية