يدعي رجب طيب أردوغان، والعديد من المسؤولين الأتراك من حزب «العدالة والتنمية» الذين يشاركونه الحكم في تركيا حالياً بأن بلادهم تعمل على تعزيز الديمقراطية في داخل تركيا، وعلى نشرها في بقية دول المنطقة والعالم، ولكن على ضوء ما يحدث في تركيا من اعتقالات وتنكيل وتكميم للأفواه للمناوئين لحكم أردوغان وحزب «العدالة والتنمية»، فإن واقع الحال يشير إلى غير ذلك تماماً، وبأن تركيا ذاتها لا تزال تعاني عدم وجود ديمقراطية حقيقية فيها.
لذلك، فإن نشر الديمقراطية في خارج تركيا، لم يكن، ولن يكون يوماً أحد الاهتمامات، أو أحد الأهداف الواقعية لحكومة أردوغان. وضمن دعايته الإعلامية لتبرير غزوه لليبيا يقول أردوغان إن هدفه الرئيس هو دعم الشرعية، وإدخال الديمقراطية إليها، وهذا طرح فيه إمعان في المبالغة غير الواقعية وفاقدة للمصداقية تماماً.
وحتى في بعض دول عربية يقوم حكامها بالتحالف حالياً مع أردوغان ودعم مواقفه العدائية تجاه العرب الآخرين، شعوب هذه الدول تشجب استخدام القوة العسكرية ضد الشعوب العربية، وترفض سرقة مواردهم الاقتصادية من قبل تركيا.
وعلى المستوى السياسي يمكن وصف أهداف أردوغان في دول العالم العربي في هذه المرحلة بأنها إعادة الاستعمار العثماني إلى المنطقة العربية، وضمان تدفق النفط العربي المجاني إلى تركيا، وتفريق وإضعاف الدول العربية القريبة والبعيدة عن تركيا، ومنع الأكراد من المطالبة بحقوقهم داخل تركيا، ومنع نزوح اللاجئين السوريين إليها، وتصدير الموجودين منهم إلى أوروبا، وأخيراً دعم الدول العربية الموالية لتركيا، وتشجيعها على استعداء الدول العربية الأخرى، وعلى دعم جماعات الإرهاب والتطرف على ممارسة نشاطاتها في مناطق ودول العالم العربي كافة.
وفي سياق متصل يلاحظ بأنه منذ وصول أردوغان إلى السلطة، وهو يعمل جاهداً على إعادة النغمة العثمانية القديمة القائمة على العنف والتوسع والاعتداء ونهب خيرات وموارد الأمم الأخرى واستعباد شعوبها، خاصة الأمة العربية ودولها وشعوبها.
ويبدو بأن أردوغان لم يستوعب بعد أنه في عصرنا هذا مثل هذا الأمر لم يعد ممكناً، فمعايير القوة والتغطرس والعنف والجبروت والتسلط لم تعد صالحة في زمن تبحث فيه جميع شعوب العالم الحية والواعية عن أسس العظمة والرقي القائمة على التنمية على الصعد الاقتصادية والصناعية والتجارية وتبادل المنافع والمصالح مع الشعوب الأخرى على أسس سلمية.
ولا يوجد شك بأن الشعب التركي في معظمه يكن عداءً للأفكار البائدة التي ينادي بها أردوغان وجوقته، وللإرث العثماني الاستعماري، ولكل ما هو ضار بالحياة الآمنة لهم وللشعوب الأخرى المحيطة بهم لعلمهم بأن ذلك الإرث لم يعد عليهم سوى بكره الشعوب الأخرى لهم، ولتاريخهم الملطخ بالدماء.
إن الحروب الحالية على ليبيا، وفي سوريا والعراق التي يشنها أردوغان هي أمر مناقض تماماً لأحلام الشعب التركي بأن تنعم بلادهم بالأمن والسلام والوئام مع جوارها الجغرافي ومحيطها الإقليمي، وهي مساس صارخ بكل شيء جميل يكمن في نفوس أبناء وبنات تركيا من الشباب الذين يملكون المستقبل.
تلك العوامل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المتداخلة توضح بأن غزو ليبيا والفوضى التي يمارسها أردوغان في سوريا والعراق، هي أمور مخلة بالمبادئ التركية التي أرساها مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، فملايين الأتراك من الأغلبية التي لا تزال صامتة، مستعدون للدفاع عن تلك المبادئ التي حفظت وطنهم من التمزق إثر انهيار الدولة العثمانية، وأسست لهم هذه الجمهورية التي كانت منطلقة بقوة نحو تحقيق التنمية الراسخة إلى أن جاء أردوغان وأخل بكل ذلك، وحول تركيا إلى دولة عدوانية غازية وطامعة في أراضي العرب وخيراتهم ومياههم ومواردهم.
ولا شك أن الشعب التركي يريد السلام مع محيطه الجغرافي، وقام أفراده بوضع سيوفهم وأسلحتهم الأخرى جانباً وفي المتاحف، ويقومون بحل خلافاتهم الخارجية بالوسائل السلمية ولم يعودوا تواقين للحروب والاعتداء على الأمم الأخرى والتوسع في أراضيها.
*كاتب إماراتي