في الثلاثينيات ولدت تركيا من رماد الإمبراطورية العثمانية كدولة علمانية، لكن بعدما هيمن حزب «العدالة والتنمية» على الحكم، بات الخطاب السياسي الصادر من السلطات التركية مزدوجاً، ففي الوقت الذي يغازل فيه أردوغان التيارات «الإخوانية» ويدافع عن مشروع هيمنتها، ويوفر لها ملاذات آمنة ومنصات إعلامية، يوجه خطاباً مفعماً بالوطنية تجاه الداخل التركي، وهذا كله في إطار المراوغة السياسية وخلط الأوراق، من أجل إضعاف الأصوات المعارضة له في الداخل. وخلال السنوات القليلة الماضية علت نبرة «العثمانية الجديدة» التي يحاول أردوغان تمريرها كعنوان فضفاض لبسط نفوذ تركيا إقليمياً، ضمن أجندة تركز على أطماع واضحة في ليبيا والعراق وسوريا وحتى الصومال. 
إنها محاولات واضحة للهيمنة على السياسة التركية باستغلاله للقومية الإسلامية للعثمانية الجديدة. فعلمانية أتاتورك لا تخدم مصالح التوسع الخارجي، أي لا تنسجم مع نهج «العثمانية الجديدة»، وطالما أن أردوغان لا يستطيع كسر ركائز العلمانية في بلاده، أو تفكيك دستور تركيا العلماني، وهو يدرك أن الأمر ليس سهلاً خاصة أن هناك الكثير من الأتراك فخورون بهذا الدستور، فإنه يلجأ إلى خطاب يتلاعب بالوطنية تارة والإسلاموية تارة أخرى لكن الهدف الإمبريالية والهيمنة على المنطقة. ولطالما دأب أردوغان على تفسير سياساته باعتبارات وطنية زائفة لإقناع التيارات العلمانية، وهذا ما يجعله يتبنى خطاباً مزدوجاً.
وهذه الازدواجية والتلاعب اللفظي اتضحا للوطنيين الأتراك لأنهم يدركون أن هذا النهج المقصود به تحقيق مكسب انتخابي، فالناخب التركي هدفه الاقتصاد وهذا لن يتحسن بمغامرات خارجية وتوسع إقليمي مرهق عسكرياً ومالياً، ولن يتحقق بتوتير المنطقة بدلاً من تصفير مشاكل تركيا مع محيطها الإقليمي. 
ومن خلال تكرار خطاب يلعب على الوتر الديني، خاصة في هذه الأثناء، يسعى أردوغان لحشد المرتزقة للقتال في ليبيا ودعمهم بمساعدات عسكرية سخية جداً باتفاق مع حكومة «الوفاق» «الإخوانية» في طرابلس ضد الجيش الوطني الليبي. وما يقوم به أردوغان هو تلاعب بسيكولوجية المقاتلين، مدعياً أن هذا القتال في ليبيا هدفه «خدمة الأمة» و«التوسع الإسلامي»، وأيضاً يُوصَف القتلى في صفوف العسكريين الأتراك بأنهم «شهداء» وهو تقليد دأب عليه الجنود العثمانيون الذين حاربوا في ليبيا من القرن السادس عشر حتى القرن العشرين، مما يؤكد على أن تدخله في ليبيا هدفه التوسع وبسط النفوذ واستغلال ثروات ليبيا، ضمن سياسة «العثمانية الجديدة»، وليس أدل على ذلك من اتفاقيات التنقيب على النفط والغاز في سواحل ليبيا. 
ويبدو أن أردوغان يحاول اختيار توقيتات مناسبة كي يمرر أجندته التوسعية، بحيث يكون على يقين بأن غالبية الدول الغربية ستلتزم الصمت لأن سياسييها ونخبها اليسارية لديها أولويات داخلية بمحاربة خصومها من «المحافظين» والوطنيين وهذا من خلال شعارات الكراهية، فأتباع الإسلام السياسي مثل أردوغان يخدمون هذه الأجندات السياسية، وفي هذه الحالة لابد للجهة المضادة بالتحالف مع الوطنيين سواء في المنطقة أو دولياً لفضح هذه الخطابات الازدواجية التي تخفي دوماً مخططات للتوسع والاستغلال. 
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي