تحمل‎ ‬الأخبار ‬الآتية ‬من ‬عمق ‬ألمانيا ‬أخباراً ‬مزعجة ‬في ‬الفترة ‬الأخيرة. ‬أخبار ‬موصولة ‬بارتقاء ‬الجماعات ‬الأصول ‬اليمينية ‬الألمانية ‬التي ‬تتهدد ‬السلم ‬والأمن ‬المجتمعي ‬في ‬الداخل ‬من ‬جهة، ‬وتقود ‬إلى ‬مخاوف ‬عميقة ‬يمكنها ‬أن ‬تمتد ‬إلى ‬بقية ‬أطراف ‬دول ‬أوروبا ‬من ‬جهة ‬ثانية، ‬لا ‬سيما ‬وأن ‬هناك ‬حركات ‬مماثلة ‬في ‬فرنسا ‬وإيطاليا ‬والمجر ‬وبولندا، ‬ويكاد ‬الأمر ‬يصبح ‬تياراً ‬كارثياً ‬على ‬القارة ‬الأوروبية ‬برمتها.
‎ ‬عدة ‬أسئلة ‬فلسفية ‬تطرح ‬نفسها ‬بين ‬يدي ‬المشهد ‬الألماني «‬هل ‬يعيد ‬التاريخ ‬الألماني ‬بنوع ‬خاص ‬نفسه، ‬وهل ‬كان ‬حصاد ‬النازية ‬غير ‬كاف، ‬في ‬النصف ‬الأول ‬من ‬القرن ‬العشرين ‬ليعاد ‬اختباره ‬ومن ‬جديد ‬في ‬القرن ‬الحادي ‬والعشرين؟
القصة‎ ‬في ‬بلاد ‬الفوهور ‬هذه ‬الأيام مخيفة، ‬فنحن ‬لا ‬نتحدث ‬عن ‬حركة ‬«بغيدا» ‬العنصرية ‬من ‬ناحية، ‬ولا ‬نتناول ‬شأن ‬حزب ‬«البديل ‬من ‬أجل ‬ألمانيا» ‬من ‬جهة ‬أخرى، ‬ذلك ‬أن ‬الأولى ‬يمكن ‬وضعها ‬في ‬عداد ‬الجماعات ‬المتطرفة، ‬التي ‬يمكن ‬التعامل ‬معها ‬بقوة ‬القانون، ‬ومن ‬ثم ‬ضبط ‬الخارجين ‬عنه، ‬وإعلاء ‬شأن ‬منظومة ‬الضبط ‬والربط ‬في ‬الدولة ‬التي ‬تمثل ‬عمق ‬قلب ‬الاقتصاد ‬الأوروبي ‬النابض.
‎ ‬أما ‬الثانية ‬فهي ‬حزب ‬سياسي ‬له ‬وجوده ‬وحضوره ‬في ‬دائرة ‬الحياة ‬السياسية، ‬وحتى ‬إن ‬كان ‬يمثل ‬نوعاً ‬من ‬المخاطر ‬المستقبلية، ‬فإنه ‬يمكن ‬هزيمته ‬بآليات ‬الديمقراطية ‬عينها ‬التي ‬جاءت ‬بالمائة ‬عضو ‬من ‬نوابه ‬إلى ‬البرلمان ‬الألماني «البوندستاج»، ‬وإبعاده ‬عن ‬المشهد ‬السياسي ‬عبر ‬بدائل ‬تبدأ ‬من ‬عند ‬صندوق ‬الاقتراع.
الكارثة‎ ‬الحقيقية ‬التي ‬لم ‬يتلفت ‬إليها ‬كثيرون، ‬ربما ‬لأنها ‬جاءت ‬وسط ‬زخم ‬جائحة ‬كورونا، ‬ذلك ‬الرعب ‬الذي ‬نزل ‬بالبشر ‬مرة، ‬ولا يعلم ‬إلا ‬الله ‬نهاية ‬مساراته ‬ومساقاته، ‬إنما ‬تمثل ‬في ما ‬أعلنته ‬وزيرة ‬الدفاع ‬الألمانية «أنغريت ‬كرامب – ‬كارنباور» مطلع ‬يوليو ‬الجاري، ‬بشأن ‬حل ‬وحدة ‬للقوات ‬الخاصة ‬بالجيش ‬الألماني ‬والسبب ‬تغلغل ‬اليمين ‬المتطرف ‬بين ‬أعضائها»‬.
والتساؤل ‬المرعب:«‬كيف ‬وصل ‬التطرف ‬اليميني ‬إلى ‬عمق ‬الوحدة ‬الخاصة ‬الألمانية ‬المسماة ‬كيه ‬إس ‬كيه، ‬وهل ‬حدث ‬الاختراق ‬عينه ‬لوحدات ‬أخرى ‬لم ‬تعرف ‬بعد؟
الجواب‎ ‬مخيف ‬في ‬واقع ‬الحال، ‬ذلك ‬أنه ‬إذا ‬كان ‬التطرف ‬اليميني ‬الذي ‬يحوي ‬منظومة ‬ترفض ‬الآخر ‬المغاير ‬عرقاً، ‬حتى ‬بين ‬الأوروبيين، ‬ناهيك ‬عن ‬رفضها ‬للإسلام ‬والمسلمين، ‬وعلى ‬الأراضي ‬الألمانية ‬أكثر ‬من ‬خمسة ‬ملايين ‬مسلم، وتأخذ ‬موقفاً ‬عدائياً ‬إلى ‬أبعد ‬مدى ‬من ‬فكرة ‬الهجرة، ‬وتعتدي ‬على ‬المهاجرين، ‬وتود ‬لو ‬قدر ‬لها ‬إلقائهم ‬في ‬اليم، ‬نقول ‬إذا ‬كان ‬ذلك ‬التيار ‬قد ‬بلغ ‬عمق ‬الوحدات ‬التي ‬تجد ‬رعاية ‬خاصة، ‬وأيضاً ‬رقابة ‬متميزة ‬لأهميتها، ‬فكيف ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬الحال ‬ببقية ‬الوحدات ‬العسكرية ‬الألمانية ‬الاعتيادية؟
القضية‎ ‬جد ‬خطيرة، ‬ولهذا ‬تعالت ‬الأصوات ‬في ‬الداخل ‬الألماني ‬تنادي ‬بأنه ‬لابد ‬من ‬فتح ‬أبواب ‬الحوار ‬واسعة ‬بين ‬الألمان ‬أنفسهم، ‬ومع ‬غيرهم ‬من ‬الأجناس ‬والأعراق، ‬فالمستقبل ‬على ‬هذا ‬النحو ‬الأحادي ‬من ‬الغلو ‬والتطرف ‬يمكن ‬أن ‬يكون ‬كارثياً، ‬وعدم ‬التصدي ‬للنازية ‬كلف ‬ألمانيا ‬خسائر ‬فادحة ‬عبر ‬عقود ‬طوال.
‎ ‬الحوار ‬وليس ‬التطرف ‬شيمة ‬الإنسانية ‬المتحضرة ‬أمس ‬واليوم ‬والى ‬الأبد. 
*كاتب مصري