«عليّ وعلى أعدائي يارب»، هذا ما يهدد به «الإخوان» عند كل مفترق سياسي وطني، وها هي حركة «النهضة» تتوعد تونس بالثبور وعظائم الأمور إنْ تم حرمان كوادرها من المشاركة في التشكيل الحكومي المرتقب. وما أشبه اليوم بالبارحة، بعد أن توعد القيادي الإخواني محمد البلتاجي بإحراق سيناء إن لم يعد المخلوع «مرسي» لسدّة الرئاسة، حين قال: «هذا الذي يحدث في سيناء، سيتوقف في الثانية التي يعلن فيها عبدالفتاح السيسي، عودة الرئيس مرسي لممارسة سلطاته».
التهديد بالخراب ليس عقيدة «الإخوان» وحدهم، وإنما هو أداة الإخضاع الاجتماعي الأمثل لدى جميع التيارات الراديكالية المتأسلمة، لذا فهي لا تتردد في إنفاذ أدوات القهر، الترهيب والإرهاب بكل الأشكال غير القانونية. وقائد حركة «النهضة»، راشد الغنوشي، الذي تغنّى بالدستور التونسي الجديد في إحدى استضافاته عبر قناة «الجزيرة»، نجده اليوم يهدد بالانقلاب على نفس الدستور الذي امتدحه، غير آبه بما يمثله أو ما تمثله الإرادة التونسية. في عام 2013، كانت لي بعض الحوارات المطولة مع أحد قادة من أسماهم الإعلام الدولي بالمعارضة البحرينية، علي سلمان، الأمين العام لجمعية الوفاق (المنحلة الآن بقوة القانون)، وكانت «المسؤولية السياسية وطنياً» محورها الرئيس.
المبادئ الحاكمة لأي نشاط حزبي يجب ألا تتجاوز على المصالح العليا للأوطان، وعندما خاطبت أمين عام الجمعية المنحلة، كان سؤالي الأول: إلى أي مدى ستتجاهل جمعية «الوفاق» حجم الاحتقان الطائفي، خاصةً وأن حراككم الميداني والأدبي متصالح مع موجة الإرهاب المتصاعد في البحرين، فهل سيكون لك أنت شخصياً، أو الوفاق موقف من الأمرين؟ لن أكبد القارئ عناء استعراض الرد، مع إعطائه الحق في التحقق من ذلك عبر جوجل.
«الإخوان» لم يختلف موقفهم عن «الوفاق» إبان تلك الأزمة، وإنْ لم يكن ظاهراً حينها، إلا أن التماهي في توظيف الأدوات لغاية تعميق وتأصيل الاحتقان الطائفي، وإن كان بشكل غير مباشر. ففصيل «الإخوان» وظف بعض انشطارات التيار السلفي في استهداف بعض الرموز الشيعية بهدف استدامة الأزمة ورفع كلفتها السياسية بحرينياً وخليجياً. ولم تكن تلك هي المرة الأولى التي يعتمد فيها «الإخوان» مبدأ زواج المُتعة سياسياً مع التيار السلفي، مستغلاً في ذلك ضحالته السياسية والقدرة على اختراق هياكله التنظيمية، وذلك ما أكده واقع سوريا والعراق وميادين أخرى مثل سيناء وتونس.
لذلك يجب أخذ تهديدات حركة «النهضة» على محمل الجد، وذلك لأنها لن تتردد في حرق تونس، خصوصاً وأنها الملاذ الأخير لـ«الإخوان» في غرب ليبيا. وتقتضي الاستراتيجية «الإخوانية» الإبقاء على ليبيا منهارة سياسياً إلى حين توفر الشروط الدولية المناسبة للإعلان عن رؤيتهم السياسية في تلك الجغرافيا المتصلة، لذلك كان التدخل التركي في ليبيا، ويجب عدم استبعاد تدخل تركي مماثل في تونس، وإنْ كان بشكلٍ غير مباشر، إلا أنها ستوفر للحركة ما يلزمها من مرتزقة وسلاح.
تهديد الاستقرار التونسي ليس فرضية، بل هو خطر ماثل وقابل للتحقق منه، وتأمين الاستقرار التونسي هو مسؤولية تونس أولاً، ولكن على حلفائها العرب والأوروبيين التعبير عن وقوفهم إلى جانبها بأشكال غير تقليدية إنْ لزم ذلك. ويتعين أيضاً على الجوار التونسي إعادة تقييم منظوره للاستقرار الإقليمي والأدوات اللازمة لذلك.
*كاتب بحريني