نجاح تشغيل المحطة الأولى من أول مفاعل سلمي للطاقة النووية في العالم العربي، وبعد أقل من أسبوعين من نجاح إطلاق مسبار الأمل الإماراتي صوب كوكب المريخ، يضع علامة فارقة أخرى على مسيرة التطور العلمي والتكنولوجي، الذي تخطو دولة الإمارات على طريقه خطوات واثقة وقفزات تنموية هائلة. فما تحقق في محطة «براكة»، وبالإضافة إلى أنه يعد إنجازاً جديراً بالفخر؛ كونه اللحظة الأهم في مسيرة البرنامج النووي السلمي الإماراتي، هو أيضاً نقلة نوعية في استراتيجية قطاع الطاقة الإماراتي، وخطوة مهمة على طريق استدامة التنمية، تم إنجازها بكفاءات وطنية.
الطاقة النووية من أهم مصادر الطاقة في العصر الحديث، وتوفر كمّاً هائلاً من الطاقة، دون أن ينتج عنها غاز ثاني أوكسيد الكربون، الغاز المسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري، وما ينتج عنها من احترار عالمي، سيتسبب في تغيرات مناخية يتوقع كثيرون أن تكون كارثية، وأن تغير شكل الحياة على الأرض عما نعرفها.
كما أن الطاقة النووية يمكنها أن توفر قدراً كبيراً من أمن الطاقة، من خلال الاعتماد على الذات، وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الأخرى. ويدحض مؤيدو الحصول على الطاقة من المفاعلات النووية، المخاوف المتعلقة بتشغيل تلك المفاعلات، وما ينتج عنها من نفايات نووية، بحقيقة أن الخطر الكامن فيها يعتبر منخفضاً إلى حد كبير، كما أنه من الممكن خفضه بدرجة أكبر من خلال استخدام التقنيات الحديثة. فسجل وتاريخ إجراءات السلامة والأمن بوجه عام في المفاعلات النووية الحديثة، أفضل إلى حد كبير، مقارنة بتاريخ الأمن والسلامة في محطات طاقة تعتمد على مصادر أخرى.
ولذا، تشكل الطاقة النووية مكوناً رئيسياً في استراتيجية الطاقة للدول والمجتمعات الحديثة، والتي ترتكز على توفير الاحتياجات من الطاقة من عدة مصادر متنوعة ومستدامة، كطاقة الرياح والطاقة الشمسية، والطاقة المولدة من السدود ومجاري الأنهار، والطاقة الحرارية المستمدة من باطن الأرض. وبخلاف أن مصادر الطاقة تلك، هي مصادر مستدامة، تتميز بكونها صديقة للبيئة، ولا تترك أثراً يذكر على الحياة الطبيعية وعلى مناخ الكوكب. 
وبناء على أن مصادر الوقود الأحفوري، من نفط وفحم، هي مصادر غير مستدامة، لا يتم استبدال أو إحلال ما يستهلك منها، فلا بد وأن تنضب يوماً ما، وفي ظل حقيقة أن مصادر الطاقة المستدامة النظيفة الأخرى، مثل الرياح، والطاقة الشمسية، ومساقط مياه، هي مصادر لا يمكن التحكم فيها، أو توقع حجمها ووفرتها بشكل دائم منتظم، ستظل الطاقة النووية تشكل مصدراً مهماً في توفير احتياجات أجيال المستقبل من الطاقة.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية