منتصف الأسبوع الماضي، ثبّت بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة عند مستوى الصفر تقريباً 0.25%، وهو ما سيشكل تعقيدات جديدة للمصارف ومؤسسات التقاعد الخليجية، التي تعتمد على توظيف الودائع، والتي أضحت عوائدها لا تُغطي نسب التضخم، مما يعني انخفاض قيمها الحقيقية.
قبل ثلاث سنوات، أشرنا هنا إلى إمكانية حدوث ذلك، ونبهنا إلى ضرورة تنويع المحافظ الاستثمارية لصناديق التقاعد حتى لا تتعرض إلى أزمات حادة، كما يحدث الآن، وللحقيقة، فإن هذا النهج تتبعه منذ عام 2017 المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية بدولة الكويت، والتي حققت خلال الفترة الماضية نجاحاً كبيراً، كما سنشير إلى ذلك لاحقاً.
والحال، فإن الأنظمة تتفاوت بين هذه المؤسسات في دول المجلس، بما في ذلك حساب مستحقات التقاعد، ومدى ثباتها وعلاقاتها بالتضخم، إذ تم مؤخراً تعديل نظام التقاعد في بعض دول المجلس، وذلك بإلغاء نسبة 3% كزيادة سنوية ثابتة على معاش التقاعد، ذلك النظام الفريد من نوعه بين أنظمة التقاعد، والتي لا تتضمن جميعها زيادات سنوية ثابتة! كما أن هذا النظام لا يساوي بين المتقاعدين أنفسهم، فمن يحصل على معاش تقاعدي بقيمة 300 وحدة، فإن زيادته السنوية تبلغ 9 وحدات فقط، أما الذي يبلغ معاشه التقاعدي 3000، فإنه يحصل على زيادة سنوية تبلغ 90 وحدة، مما يشكل خللاً كبيراً في التوزيع غير العادل، في حين أن هناك نظاماً خليجياً آخر يقدر الزيادة بمقدار 30 وحدة كل ثلاث سنوات بصورة متساوية للجميع، بغض النظر عن مبلغ التقاعد، وهو نظام أكثر عدلاً ومساواة، كما أن هناك نظاماً ثالثاً يقوم بزيادات سنوية على مدى سنوات متباعدة، بعد احتساب نظام التضخم، وذلك بمرسوم رسمي، إذ من المهم تغطية نسب التضخم قدر الإمكان للمحافظة على المستويات المعيشية للمتقاعدين.
وعودة إلى الخلل الاستثماري لمؤسسات التقاعد الخليجية، والذي يرتكز أساساً على الودائع، والتي وصلت إلى مستوى الصفر، بل وربما تصل إلى نسبة سالبة في الفترة القادمة، مما يتطلب سرعة اتخاذ سياسات استثمارية أكثر تنوعاً مع الابتعاد قدر الإمكان عن الأصول النقدية، إذ أثبتت تجربة المؤسسة العامة للتأمينات الكويتية في السنوات الثلاث الماضية صحة هذا التوجه، حيث عمدت الإدارة الجديدة - بعد تعرض المؤسسة لعملية احتيال مكلفة - إلى اتباع سياسة استثمارية جديدة، تمثلت في تنويع الأصول الاستثمارية، والتي أدت إلى تقليص الأصول النقدية إلى 37%، وهي تسعى إلى تقليصها إلى 4% فقط في الأشهر القليلة القادمة، حيث أدى ذلك إلى تحقيق أرباح كبيرة في الأشهر الثلاثة الماضية من أبريل – يونيو تقدر بـ 7.34 مليار دولار، وهو ما رفع إجمالي أصول المؤسسة إلى 113 مليار دولار، وذلك رغم التداعيات السلبية لازمة فيروس كوفيد19 وانخفاض أسعار النفط.
هذه التجربة الناجحة والمثمرة، لا بد وأن تنقل إلى بقية مؤسسات التقاعد والتأمينات الاجتماعية الخليجية ليتم الاستفادة منها، والتي ستساهم في حل بعض المعضلات والصعوبات وتجنبها العديد من المشاكل الناجمة عن التقلبات، فالودائع النقدية لم تعد مجدية وعائداتها صفرية تقريباً، مما يؤدي إلى استهلاك الأصول وتحولها إلى عجز دائم، بل وربما إلى حالات إفلاس بمرور الوقت.
هنا نأتي إلى التذكير بأهمية الإدارة، وبالأخص إدارة الأصول، والتي تتطلب مهنية عالية وشفافية وتنوعاً بعيداً عن رتابة الاستثمار في الأصول النقدية، والتي لا تتطلب أكثر من متابعة رتيبة بانتظار الفوائد السنوية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، حيث يتطلب مثل هذا النهج اتخاذ قرارات سريعة وعملية، قبل أن تستفحل أزمات صناديق التقاعد الخليجية، خصوصاً وأن مثل هذه المؤسسات في معظم البلدان تعاني من تردي الأوضاع الاقتصادية، والناجمة عن الأزمات التي تعصف بالاقتصاد العالمي.