كتبت إحدى صحف بيروت على صدر صفحتها الأولى، صبيحة انفجار المرفأ: «الدولة الفاشلة تطلق النار على نفسها»، لكن السؤال الأهم يبقى: هل تموت الدولة الفاشلة؟! وهل بمقدور شجرة الأرز أن تخلق في حديقتها (غير الطائفية) دولة جديدة، بحلة مدنية خالصة، وبأفق واسع يحتوي كل اللبنانيين الذين سئموا من اختطاف زعماء الطوائف لبلدهم؟
السؤال الأهم يبقى: هل سيسهم هذا الانفجار، الذي لم تر بيروت في سنوات شقائها الطويل مثيلاً له، في تعافي لبنان الخمسينيات والستينيات؟
الجواب للأسف الشديد هو لا! فالدولة الفاشلة لا روح لها، لا حياة بها، الدولة الفاشلة لا تموت برصاص عنوان صحيفة مكتنز بجمال اللغة، بل تموت حين يقرر المواطن البسيط في الشارع أن يقذفها في أقرب حاوية مهملات!
ما سيحدث في الأيام المقبلة، هو أن كل طرف من زعماء الحرب والطوائف سيرمي التهمة على خصومه، وسيبقى «لبنان الجريح» كرة قدم تتقاذفها الأرجل، سيسلكون نفس الطريق الذي سلكوه بعد استهداف موكب الشهيد رفيق الحريري، سيتبرؤون من المسؤولية كما فعلوا بعد استشهاد جبران تويني وخليل حاوي وبيار الجميل ومحمد شطح وغيرهم.
سيخرجون علينا غداً أو بعد غد بكلمات مرسومة بعناية، كلمات تتقافز أزاهير اللغة بين حروفها، سيستخدمون الاستعارات والتشبيهات اللغوية، ما استطاعوا، ليبقوا هذا البلد الجميل تحت رحمتهم ورحمة مصالحهم الضيقة.
صحيح أن المواطنين اللبنانيين البسطاء اليوم على قلب رجل واحد باختلاف طوائفهم وأعراقهم، صحيح أنهم يفكرون بعقل واحد، ويتحدثون بصوت واحد، ويلعنون الدولة الفاشلة بنفس الكلمات، صحيح أنهم تحت وقع الصدمة والخذلان لا يرون أمام أعينهم إلا لبنان الكبير، لكن لغة الزعماء غداً أو بعد غد ستسدرجهم من جديد، لأن يتخندقوا خلف الحروف المخاتلة والمراوغة، والتي قد تتفوق بهاء وجمالاً على عنوان صحيفة «النهار».
شجرة الأرز أيها اللبنانيون تعرف مرضها، فساعدوها على التعافي منه، شجرة الأرز تُعاني ممن يحاول انتزاعها من أرضكم ليزرعها على بعد آلاف الأميال من موطنها الأصلي! شجرة الأرز تريد منكم فقط أن ترفضوا تحويل بلدكم حديقة خلفية لإيران، ما لكم ولإيران؟ ارفعوا أصواتكم وقولوا بصوت واحد: لبنان كان جميلاً عندما كانت اللغة العربية هي لغته الرسمية، وأصبح ملعباً للخراب عندما سيطر عليه من يريد أن يجعل منه ولاية تابعة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، قولوا بصوت واحد: لبنان كان جميلاً عندما كان الزعماء يأتون ويذهبون، وأصبح خراباً عندما صار الزعماء يأتون ولا يذهبون!
الحل بيدكم لا بيد ممثل إيران حسن نصرالله، ولا بيد باقي زعماء التيارات الذين يؤمنون تمام الإيمان أن وجودهم مرتبط ببقاء خلافاتهم، الحل بيدكم، فلا تراهنوا كثيراً على اقتلاع إيران من أرضكم، والزعماء الذين تنتظمون خلف «خطبهم الرنانة»، يختلفون مع حسن نصرالله في الصباح ويتفقون معه في المساء، كلها مصالح تتناسل من مصالح، ابقوا على قلب رجل واحد، ابقوا تحت الصدمة أطول فترة ممكنة، كي تتحروا.