إن تأثيرات دور العبقري، أو كبير الاستراتيجيين‏‭،‬ كما ‬يقول ‬المنظِّر ‬الاستراتيجي ‬كارل ‬فون ‬كلاوزفيتز (‬1780-1831)، ‬لا ‬تظهر ‬كثيراً ‬في ‬المراحل ‬الأولية، ‬أو ‬الأنماط ‬الجديدة ‬للعمل، ‬كما ‬تظهر ‬في ‬النجاح ‬النهائي ‬للعمل ‬بأكمله. ‬إن ‬ما ‬ينبغي ‬علينا ‬تقديره ‬هو ‬التنفيذ ‬الدقيق ‬للافتراضات ‬غير ‬المرئية ‬وغير ‬المعلنة، ‬والانسجام ‬السلس ‬للنشاط ‬في ‬مجمله، ‬وهذا ‬لا ‬يصبح ‬جلياً، ‬إلا ‬عند ‬تحقيق ‬النجاح ‬النهائي. 
وبمعنى آخر، فإن تلك التأثيرات تكون بالفهم المتميز للسياسة وللاستراتيجية وللتخطيط، وتنفيذها كثلاثة محددات متداخلة في السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركي. والعلاقة بين تلك المحددات الثلاثة مترابطة، وتعتمد على درجة تعقيدات البيئة الاستراتيجية، والمستوى الهيكلي للخطر، وطبيعة التخوف، ومؤشرات التوقيت، وبُعد نظر القيادة التي تتربع على أعلى هرم في السلطة، ومختلف الخيارات المتاحة أمامها. والاستراتيجية والتخطيط يجب ألا يتأثرا بالأهواء السياسية الضيقة، وإلا فإن مآلهما الفشل، إذ يجب أن يخضعا لنماذج فكرية منضبطة، كما أن الاستراتيجية تعامل السياسة على أنها أحد العوامل.
وفي هذا الصدد، فإن النظريات في السياسات الخارجية هي أدوات منظمة ومُسيِّرة للعديد من القضايا ذات التحديات المشتركة، وتكون ذات حمولة استراتيجية محددة المعالم والتوجهات، تساعد متخذي القرار على حصول نتائج كبيرة في سياستهم الخارجية وجعلها في منأى عن الأخطاء.
في رسالة كان قد سلمها إلى الكونجرس الأميركي في الثاني من ديسمبر 1823، أعلن الرئيس الأميركي جيمس مونرو عن «مبدأ مونرو»، القاضي بضمان استقلالية كل دول نصف الكرة الغربي ضد التدخل الأوروبي، بمعنى أنه لن يسمح بتكوين مستعمرات جديدة في الأميركيتين، وقد أعطى هذا المبدأ نتائجه المرجوة.
وفي مارس 1947، أعلن الرئيس الأميركي هاري ترومان عن مبدئه القاضي بمساعدة الشعوب الحرة التي تكافح ضد الخضوع للأقليات المزودة بالسلاح أو الضغوط الخارجية، «لأن بذور الأنظمة الشمولية الديكتاتورية -حسب تعبير ترومان- تغذيها دائماً عوامل الفقر والحاجة»، وكان لمبدأ ترومان الفضل في نشر الوعي لدى الشعب الأميركي، على ضرورة قبول مسؤولياته في الدفاع عن الشعوب المستضعفة.
ثم جاء مشروع مارشال في يونيو 1947، حين عين ترومان الجنرال جورج مارشال وزيراً لخارجيته، وأعلن عن مبدئه الهادف إلى مساعدة أوروبا اقتصاديّاً، وهذا ما حدا بوزير الخارجية السوفييتي الشهير «مولوتوف» للتصريح بأن مشروع مارشال يُعّد نوعاً من الاستعمار الجديد. وبموجب مشروع مارشال، أنفقت أميركا ما يزيد على 12 مليار دولار لدعم اقتصادات أوروبا، وكان لهذا الدعم الأميركي نتائج ملموسة، ليس على الاقتصاد فحسب، بل وحتى على الاستقرار السياسي في الدول الأوروبية. 
وفي سنة 1968، أعلن الاتحاد السوفييتي عن مبدأ بريجنيف (نسبة للزعيم ليونيد بريجنيف)، وهو شبيه بمبدأ ترومان، ولكن في الخط المعاكس، حيث يسعى إلى دعم كل التوجهات المعادية للمصالح الغربية والتدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول، وكان من نتائجه تطوير التقارب السوفييتي الكوبي، والتدخل السوفييتي في براغ سنة 1968، وغزو أفغانستان عام 1979.
وفي سنة 1989، تجسدت شهادة وفاة الحرب الباردة في مبدأ فاجأ العالم، عندما سئل الناطق الرسمي باسم جورباتشوف، عن مدى فعالية مبدأ بريجنيف فيما يقع من موجات ديمقراطية في كل من هنغاريا وبولونيا، فأجاب بأن المبدأ الذي يجب تطبيقه هو مبدأ «سناترا» (إشارة إلى أغنية طريقي‏‭ ‬My Way‭ ‬للمغني ‬الأميركي ‬فرانك ‬سناترا) ‬وليس ‬مبدأ ‬بريجنيف، ‬وهذا ‬ما ‬ولّد ‬موجات ‬من ‬الديمقراطية ‬في ‬أوروبا ‬الشرقية.
إن كل تلك النظريات والمبادئ وغيرها، والتي غالباً ما كانت تأخذ أسماء مفعِّليها، كانت لها تأثيرات مباشرة على القضايا التي تناولتها، بل وأثَّرت على مجريات التاريخ لعقود عديدة. أما اليوم، فلا تتوفر الولايات المتحدة على أي مبدأ يمكن أن يميز سياستها الخارجية، رغم أنها تعج بالمنظرين في العلاقات الدولية، لكنها تتعامل مع أوضاعها الداخلية، وتتجه نحو الانعزالية في سياستها الخارجية، إلا في ما يتعلق بمنافِستها الاقتصادية (أي الصين) وشركائها التجاريين، بمن فيهم الأوروبيون، حيث تفرض واشنطن القيود التجارية، الواحد تلو الآخر، وتأخذ قرارات بعيدة عن التنظيرات الاستراتيجية ذات القواعد المحكمة. وقد زادتها جائحة كورونا ضبابيةً في عالم جديد يتسم بالتقلب، والتوجس، والتعقيد، والغموض.