في شهر مارس من عام 1995 وقعت جريمة إرهابية في قلب العاصمة اليابانية طوكيو، ذهب ضحيتها 13 شخصاً، وأصيب 6000 آخرين بجراح. كانت تلك الجريمة الأسوأ في تاريخ اليابان الحديث، منذ الحرب العالمية الثانية.
وفي شهر يوليو من عام 2018 - أي بعد مرور 23 عاماً على الجريمة - نُفذ حكم الإعدام شنقاً ببطل تلك الجريمة التي روعت اليابان، ويدعى شوكو أساهارا.
لم يكن أساهارا شخصاً عادياً. كان يؤمن بنهاية الزمن، وإنْ بإمكانه تحقيق هذه النهاية، وأن من واجبه الديني العمل على ذلك. وكان يتمتع بقوة تأثير نافذة في أتباعه ومريديه. ومنهم علماء في الكيمياء والذرّة. أما سرّ قدرته على احتواء مثل هؤلاء العلماء ليكونوا مطواعين لإرادته، منفذين لأوامره، فقد دُفن معه.
كان أنصاره يصفونه بأنه «بوذا الجديد». كانوا يقولون إنه يحسّ بآلام الآخرين.. ويعالجها. 
لم تكن المسافة الزمنية الطويلة بين ارتكاب الجريمة والحكم على المجرم ضرورية للبحث عن الأدلة. كانت الجثث هي الدليل. وكان الغاز السام الذي أطلق في محطات قطار الأنفاق دليلاً آخر. بل إن اعترافات أساهارا نفسه لم تترك حاجة للبحث عن دليل آخر. إلا أن تلك المسافة كانت تعبيراً واقعياً عن الثقافة اليابانية.
ذلك أنه بعد يومين فقط من وقوع الجريمة، قام 2500 رجل أمن باقتحام مواقع التنظيم الديني الذي كان يقوده أساهارا. اقتحموا البناية التي كان يختبئ فيها عدة مرات، دون أن يعثروا له على أثر. كان أتباعه يعرفون أنه موجود في البناية، ولكنهم لم يدلّوا عليه. واعتقدوا أن عدم اكتشافه من قبل رجال الأمن، يشكل دليلاً آخر على أنه «بوذا الجديد».
تغيرت هذه النظرة إليه، عندما وُفق رجال الأمن في العثور عليه مختبئاً في جحر في المبنى، فاستُخرج منه كالجرذ !!
استمرت محاكمة أساهارا سبع سنوات. وفي كل مرة كان يصدر حكم بإعدامه، كان يستأنف الحكم. واستمر على هذا النهج حتى عام 2006، عندما اعتُبر الحكم نهائياً. مع ذلك، تأخر تنفيذ الحكم 12 عاماً آخر، عاش أساهارا خلالها في ظل حكم بالإعدام لم ينفذ إلا في شهر يوليو 2018.
لا تختلف ظاهرة أساهارا عن الظواهر العديدة الأخرى التي عرفها العالم مثل «جيم جونز» في الولايات المتحدة، بطل المجزرة الجماعية التي أودت بحياة 276 طفلاً تحت شعار: «سلوك الطريق المختصر إلى السماء» (حيث جنة الفردوس).
ومثل ابن لادن في أفغانستان - جريمة 11 سبتمبر 2001 في نيويورك - والبغدادي في العراق (إحراق المعتقلين وقطع رؤوسهم وهم أحياء).
كان مخطط أساهارا قتل أكبر عدد ممكن من المسؤولين في الدولة، لأنه كان يعتقد أنه بقتلهم يستطيع أن يقفز إلى السلطة، لتتحقق على يديه الإرادة الإلهية بنهاية العالم. من أجل ذلك، جرى تصنيف أساهارا بأنه أول إرهابي في التاريخ المعاصر. وكانت منظمته أول منظمة في العالم تنتج أسلحة كيماوية، على نطاق واسع، من وراء ظهر الدولة. ومما ساعدها على ذلك، وجود عدد من علماء الكيمياء في صفوفها. ولقد كان أحد هؤلاء العلماء مسؤولاً في مؤسسة صناعية، مما مكّنه من سرقة بعض الأسرار العلمية وتزويد الحركة الإرهابية بها. ومن خلال الوثائق التي صادرتها الحكومة اليابانية من المقر السري لأساهارا. كان التنظيم قادراً على صناعة أسلحة أشد فتكاً من الغازات السامة. وقد تمكن من السيطرة على أتباعه من العلماء لتنفيذ تعليماته بإنتاج مثل هذه الأسلحة. ومن مظاهر سيطرته أنه كان يفرض عليهم أن يشربوا المياه التي يغتسل بها.
فلأول مرة في التاريخ الحديث، استخدمت منظمة إرهابية غاز السارين ضد المدنيين. وقد استخدمته في محطة قطار الأنفاق في قلب العاصمة طوكيو، حيث كان يفترض أن يخرج من هذه المحطة عدد من المسؤولين في الحكومة اليابانية. وبالفعل كان بعضهم في عداد الضحايا. 
ولم يقتصر العمل الإرهابي لهذه المنظمة على حادث قطار الأنفاق، فقد سبقته سلسلة من الأحداث التي قللت السلطات اليابانية من أهميتها، بما في ذلك خطف بعض الأشخاص وحتى الأطفال، وقتل بعض المعارضين في حوادث مدبرة لتبدو وكأنها وقعت قضاء وقدراً !!.
منذ ذلك الوقت، ارتفعت علامة استفهام كبيرة في عواصم العالم المختلفة حول إمكانية حصول منظمة إرهابية ما على سلاح الدمار الشامل. سواء كان سلاحاً كيماوياً.. أو سلاحاً نووياً قذراً. وصفة القذارة لا تعود إلى فعل الاستخدام، بل إلى نوعية السلاح وبدائيته.
وكانت الأنظار متوجهة إلى تنظيم «داعش» بعد استيلائه على مخازن الأسلحة في شمال العراق، حيث كان يُعتقد أنها تحتوي على شيء من ذلك. كذلك كان هناك اعتقاد قوي بأن تنظيم القاعدة كان يسعى للحصول على مثل هذه الأسلحة، ولكن دون طائل.
منذ أشهر قليلة نشر كاتبان أميركيان، هما دافيد كابلان وأندرو مارشال، كتاباً حول منابع الإرهاب وأنواعه، عنوانه: «العقيدة ونهاية العالم». ويبين هذا الكتاب الروابط المباشرة بين العقائد والإرهاب. فالإيمان بعقيدة نهاية الزمن وبتسريع هذه النهاية، إنقاذاً للبشرية من المعاناة (؟)، هو الأساس التبريري لممارسة الإرهاب لدى هذه الجماعات، على اختلاف ثقافاتها وجنسياتها. وقد عرفت نماذج منها إلى جانب الولايات المتحدة، دول أوروبية (فرنسا) ودول آسيوية (اليابان وتايلاند والصين) على ما بينها من اختلافات ثقافية واسعة.
فالمخزون من غاز السارين الذي صادرته السلطات اليابانية، مثلاً، من المخبأ السري قرب جبل فوجي الشهير، التابع لمنظمة «آيوم» التي كان يتزعمها أساهارا، كانت كافية لقتل مئات الآلاف من الأبرياء. وفي اعتقاد هذه الجماعة الإرهابية -وكل جماعة أخرى مماثلة لها- فإنه كلما ارتفع عدد الضحايا، قصرت المسافة إلى نهاية الزمن !!