تسعى الدول الكبرى وراء مصالحها بشكل دائم، ففي السياسة لا صداقات ثابتة ولا عداوات ثابتة، والعلاقات بين الدول ليست زواجاً كاثوليكياً، وإن بدت كذلك في فترات زمنية معينة وفقاً لظروف خاصة. وفي هذا السياق، يُفهم الاتفاق بين الصين وإيران، حيث سيستثمر الصينيون مليارات الدولارات على مدى 25 سنة في إيران، مقابل نفط إيراني بتخفيضات كبرى، الأمر الذي سيشكل طوق نجاة للاقتصاد الإيراني المنهار تحت وطأة العقوبات الأميركية، وسيقوي مكانة الصين كدولة عظمى ويزيد تواجدها في الشرق الأوسط.
لكن الاتفاق الذي أرادت من ورائه طهران تخفيف العقوبات الشديدة المفروضة على التجارة معها، أي العقوبات التي تؤدي لعزلتها بشكل شبه كامل، لم يحصل على رضى كل الإيرانيين، إذ اعتبر البعض أنه يعامل بلدهم كدولة ضعيفة ويجعلها الطرف الخاسر في الصفقة، باعتبار أن الصين ستسيطر على البنى التحتية وعلى المقدرات الطبيعية في البلاد. أما الطرف الآخر الداعم للاتفاقية، فيرى غير ذلك، وبكلمات الكاتبين الإسرائيليين يعقوب نيجل ومارك دوفوفيتش: «النظام في طهران، يفهم أن الصفقة يمكنها إنقاذ الاقتصاد الإيراني، وأنها أصبع في عين الولايات المتحدة، وستسمح للنظام بالاعتماد على الصين، مع التشديد على نموذج التعقب للمواطنين الإيرانيين، مما سيزيد احتمالات حماية نظام الحكم».
وفي ذات السياق، تنامى الحديث في إسرائيل (بتشجيع أميركي) عن ضرورة التفكير في الانفصال عن الصين، خاصة بعد تقاربها المتزايد مع إيران. لكن هذا الانفصال مكلف جداً، حيث بلغت المعاملات التجارية الصينية الإسرائيلية في عام 2018 نحو 15.3 مليار دولار. كما أن الصين حددت التكنولوجيا العليا الإسرائيلية كمصدر تكنولوجي حيوي في بناء أسلحة للجيل القادم، حتى وإن كان تحت غطاء استثمارات «مدنية»، كما يرى العديد من الإسرائيليين. وفضلا عن كل هذا فإن الولايات المتحدة، الحليف والداعم الأكبر لإسرائيل، ترى في إيران العدو الأكبر اليوم، ويمكن للصين أن تستخدمها كسلاح في المنافسة العالمية.
ويرى المحلل العسكري الإسرائيلي «رون بن يشاي» أن الاتفاق الصيني الإيراني يمكن أن تكون له تأثيرات إقليمية: «ما يهمنا بصورة خاصة، ويهم الأميركيين أيضاً، هو الفصل في الاتفاق المتعلق بالتعاون التكنولوجي والعسكري، حيث ستقيم الصين في إيران شبكة اتصالات خليوية من الجيل الخامس، وستحصل إيران على وصول مباشر إلى شبكة أقمار GPS الصينية (بايدو)». ويتحدث الاتفاق أيضاً عن أبحاث عسكرية مشتركة، وتعاون استخباراتي مشترك». ويضيف بن يشاري: «إن بند الدفاع السيبراني ستكون له تداعيات واضحة على إسرائيل. الصين لن تحصل فقط على صناعة وطاقة إيرانيتين ستصبحان خاضعتين لها إلى حد كبير، بل أيضاً ستصبح لها القدرة على نشر نفوذها في كثير من أنحاء الشرق الأوسط».
لكن وفقاً لما يراه الكاتب الإسرائيلي «عاموس هرئيل» فإن الصين تسعى وراء الاستثمار ولا تميل إلى التواجد في منطقة قد تكون ساحة مواجهة عسكرية أو سيبرانية مستقبلا. 
وبالمقابل، تبقى سياسة بكين قائمة على الامتناع عن التدخل، كما في كوريا الشمالية وسوريا. وفي هذا الإطار، تقول الدكتورة «داليا ديسا -كاي»، مديرة «مركز سياسات الشرق الأوسط» في «معهد راند الأميركي»: إن «إيران معزولة في الساحة الدولية وموجودة في موقف ضعف. والاندماج ما بين سياسة الضغط بالحد الأعلى التي تمارسها إدارة ترامب على إيران، بالإضافة إلى كورونا ومقتل سليماني.. كل ذلك يحث إسرائيل على مواصلة ضغطها حيال إيران»، والذي قد لا تكفي الاتفاقات مع الصين لإيقافه.