إذا أردنا أن نفطن لخطوة السلام من أجل القضية الفلسطينية العالقة منذ أكثر من سبعة عقود، لا بد أن ندرك حقائق السياسة وليست أوهامها ولا خيالاتها، فالبعض يقفز على الواقع أو يتجاهل عنه، أو يتجاهل وجوده، فالواقعية السياسية أصبحت جزءاً من صناعة وصياغة السياسة الخارجية للإمارات، وهي المتغيرات الثابتة في السياسة، وهي التي تحكم معادلة التعامل مع إسرائيل في لحظتها التاريخية، وهي تعلم جيداً ثمن الخطوة نحو السلام الحقيقي، لصالح قضية العرب المركزية.
وفي عالم السياسة كل شيء متوقع، والثابت هو أن تحركات الإمارات تهدف دوماً إلى البحث عن سبل السلام والاستقرار في هذه المنطقة الملتهبة. 
بنبغي النظر إلى هذا الأمر بفكر واقعي وتفكير دقيق، حتى لا نخلط السياسي بالديني والواقعي بالخيالي أو المثالي، فالعالم العربي اليوم يمر بمطبات عالية ومحطات فارقة وحفر عميقة ومسارات غير سالكة، وانحدارات حادة بعد أن هدَّ «الربيع» بعض أركانه وزواياه.
من هنا، ينبغي وضع مثل هذه الاتفاقيات في مكانها الصحيح، وقراءة دلالاته بعمق، حتى لا يذهب البعض بعيداً في تصوراته وظنونه.
في البداية، لا بد من التعامل مع جنس اليهود كبقية الأجناس على حد سواء، وهذا حق إنساني لا مراء فيه.
أما إسرائيل كدولة والعرب قاطبة، فلديهم مشروع سلام معها، وهو لا زال على طاولة المفاوضات، وإنْ كان في الوقت الراهن مجمَّداً لأسباب معروفة، إلا أن إعادة تسييلها لا غبار عليه، إذا ما وُضعت الشروط الملزمة للطرفين أمام العالم أجمع، للبدء في تنفيذها على الأرض.
فبقاء الأوضاع معلقة، ليس من مصلحة أحد لأنه يعطي مبرراً للمتربصين بالسلام فرصة للعبث به.
لا شك أنه بالسلام تتنفس المنطقة، وبالحروب المتتالية تختنق، وتزداد تخلفاً، والسبعة العقود الماضية، بما شهدته من حروب وتوترات خير دليل.
ولكن قبل المضي في هذه العملية السياسية، قامت الإمارات بتصحيح مسار السلام، الذي توقف قطاره في محطة أوسلو، وحدوث ذلك بعد وجود مؤشرات على رغبة إسرائيل في هذا السلام المنشود، مع إدراك الإمارات جيداً، بأن الأمر الأهم للمضي في هذا المسار، هو توحيد الفصائل الفلسطينية المتنازعة على هذا الهدف الوطني وليس الحزبي أو الديني.
فلا بد من إدراك أن السياسة فيها المصالحة قبل الهدنة، ومن ثم الذهاب فريقاً واحداً وبقوة الإرادة والعزيمة إلى الطاولة، التي طال أمد بقائها بلا جلساء.
فالخليج الراهن لم يعد كسابق عهده، فقد أصبحت دوله العربية، خاصة الإمارات، فاعلاً سياسياً في العالم الأكبر من حولها، وهذا في حد ذاته عامل إيجابي لصالح القضية الفلسطينية المركزية لكل العرب ومن ثم للمسلمين أجمع.
لقد أضاع أصحاب الحق أنفسهم الفرصة الأولى لإنشاء دولة فلسطينية عام 1947، وهو ما أوصى به الملك حسين آنذاك، إلا أن المقترح رفض جملة وتفصيلاً، حتى طال العهد بمشروع السلام إلى هذه الساعة.
فإذا كان الخليج قادراً في هذه اللحظة الحاسمة، للدفع بالقضية الفلسطينية وتحمل تبعاتها كواجب قومي، تحتمه الظروف التي قد تتهيأ لمثل ذلك، فإن القيام بشيء لفلسطين خير من انتظار سنين أخرى لا نعلم بمَ تنتهِ وما ينتابها.
إننا أمام تحديات كبرى يواجهها العالم العربي في مختلف المجالات، وفلسطين تحد عظيم، علينا بذل كافة السبل الدبلوماسية للوصول بها إلى تحقيق أهداف شعب، لطالما يحدوه الأمل في العيش في دولة، يتفق العالم كله على ضرورة إنشائها، بل وإمدادها بسبل الحياة في كافة مناحيها. 
*كاتب إماراتي