لماذا يرفض الرئيس عون ومحور «الممانعة» ومن يؤيدونهما اللجوء إلى المحكمة الدولية، للتحقيق في حادثة تفجير مرفأ بيروت؟
لماذا يخافون من المحكمة الدولية؟ وماذا وراء إصرارهم المستميت على «النأي عنها» وتهافت مجلس الوزراء على إحالة هذه القضية إلى المجلس العدلي، وهو أعلى هيئة قضائية في لبنان؟
كل ذلك، سواء أكان محكمة عادية، أم غير عادية، يرفضه معظم اللبنانيين، كما أوضح استطلاع أجرته إحدى المؤسسات الإعلامية، حيث قال 99 بالمئة «نعم للدولية».
لكن، لماذا الرفض والمكابرة؟! بكل بساطة لأن اللبنانيين لا يثقون لا بالمحاكم المدنية، ولا العسكرية، ولا بالمجلس العدلي. فالتجارب علمتهم ذلك. ونتذكر أن اغتيال رئيس الجمهورية رينيه معوض أحيل إلى هذا المجلس، ولم يصدر عنه شيء، لفلفت القضية.
ثم تُكرر الاغتيالات بلا أحكام، ولا كلام، ولا قرارات: الشيخ صبحي الصالح، الدكتور حسين مروة، سهيل الطويلي، كمال جنبلاط، والقضاة الأربعة في صيدا.. إلخ. فالمحاكم كانت مصادرة من الوصاية السورية، ثم اليوم تحت هيمنة «حزب الله». ونتوقف عند اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما واجهته المحكمة الدولية من هجوم: محكمة إسرائيلية، أميركية.. بل وكيف تمت برمجة أشكال تضليل التحقيق: بدؤوا بأبو عدس، ثم الحجاج الأستراليين، ثم اتهموا إسرائيل بقتله.. إلخ.
ما أشبه اليوم بالأمس، فقد بدأت سلسلة تمويه أسباب تفجير مرفأ بيروت، ثم وقبل بدء التحقيقات نفى «حسن نصرالله» أن تكون إسرائيل قد قصفت العنبر. ليرد نتنياهو: «ليس لنا علاقة بالتفجير». لكن لم يخبرنا أحد، من هو صاحب هذه الكميات الهائلة من نترات الأمونيوم؟ ومن أين جاءت؟ ولماذا بقيت 7 سنوات في العنبر، دون أن يسأل عنها صاحبها، وقد قدرت أثمانها بمليون دولار؟ وهنا تناقضت روايات «محور الخراب»؛ فبعضهم صرّح بأن سفينة آتية من موزمبيق كانت تنقلها، وتعرضت للعطل، فاضطر المسؤولون إلى وضع الحمولات في العنبر، أما لماذا لم تُنقل، أو تُبع في المزاد العلني، فهذه الأسئلة مازالت خارج مدارات هيئات التحقيق، والحكومة، والوزارات المختصة، والأمن العام، والجمارك.
إذن، هناك «قطبة مخفية»: أيكون «حزب الله» اشترى هذه البضاعة وتركها في العنبر 12 (وعنده أصلاً أربعة عنابر أخرى) واستخدم كميات كبيرة منها في صنع أسلحة كيماوية أو سواها؟ وهل كانت بجوار أو تحت كمية من الصواريخ والأسلحة العائدة للحزب، تفجرت، ولا يجرؤ أحد على كشف حطامها المتناثر في المرفأ، وأبعد منه؟ هذا ما يخشاه «حزب الله» وحليفه «عون» الذي بادر إلى رفض المحكمة الدولية، بل لكي يبعد المسؤولية عن هذه الجريمة، لاسيما وأن أمن الدولة حذّره وحذر الرئيس السابق حسان دياب، قبل أسبوعين من استقالة الحكومة، من وجود هذه المواد الخطرة التي يمكن أن تحدث تفجيرات مخيفة في المناطق التي تحيط بها. وهذا ما أشرنا إليه في مقالتنا السابقة هنا، عندما ذكرنا أن تبسيط الأمور باتهام بعض العمال والموظفين والأجهزة بالإهمال، ما هو إلا حرف للأنظار عن الواقع المخيف، وحيلة لحماية رؤوس كبيرة.
من هنا، نقول: إن نفي «نصر الله» قيام إسرائيل بهذا التفجير مفهوم، لأنه لو اتهمها (وهو يتهم إسرائيل بكل شاردة وواردة)، فيسعني ذلك تأكيد أنه يخزن أسلحة في مرفأ مدني وسط مدينة مأهولة.
الحراك الشعبي اللبناني وزعماء 14 آذار (مارس) يطالبون بمحكمة دولية تتولى الأمر، لأنهم يدركون مدى هيمنة «حسن نصر الله» على القضاء اللبناني بكل أشكاله.

*كاتب لبناني