البيانان الصادران عن رئيس مجلس النواب الليبي ورئيس مجلس الدولة بحكومة الوفاق، تسببا في حالتين من النشوة الوطنية، ونوع من المفاجأة لأكثر من طرف إقليمي ودولي، فالتقارب أو المحفز عليه بات واضحا اليوم، إلا أن سر التحول في الموقف الأميركي من هذه الأزمة هو ما يستوجب البحث فيه، رغم ما تسببت فيه من إضرار بمصالح جميع الدول المُتشاطئة متوسطياً. فهل يُفسر الانخراط الأميركي المُستجد عربون تصالح مع حلفائها الأوروبيين، أم أنها باتت تدرك المآلات المحتملة لاستدامة هذه الأزمة، خصوصاً وأن التباين الأوروبي الأميركي يستدعي كلا الطرفين لإجراء مراجعة على أسس استراتيجية. 
خط الطول الذي اعتمدته المصالحة، وهو(سرت- الجفرة)، وإن لم تتقاسما خط طول مشتركا، إلا أنه يتقاطع من رؤى إقليمية قد يكون المأمول استقطاب انخراطها، من خلال الاعتراف بذلك الخط الطولي على أسس سياسية مما قد يوفر اشتراطات الحد الأدنى المطلوبة في تحقيق وقفٍ نافذ لإطلاق النار. أما التحديات أمام صمود الاتفاق، والوصول به إلى بوابة انطلاق المصالحة الوطنية، فقد بدأت في الظهور حتى قبل انقضاء أربعة وعشرين ساعة من الإعلان عنه.
فقد عبر أكثر من قيادي في مجلس الدولة في حكومة الوفاق عن رفضة لتحجيم دور المجلس، وكذلك انفراد رئيس الحكومة فائز السراج بالإعلان عن المبادرة دون الموافقة المسبقة من المجلس. الأمر الآخر هو بند خروج كل القوات الأجنبية، والذي يحجم القدرة العسكرية للوفاق وانعكاسات ذلك على قدراتها التفاوضية سياسياً. على الجهة الأخرى نجد انضباطاً سياسياً من قبل قيادة الجيش الوطني الليبي، حيث لم تصدر أي إشارة تنم عن تحفظ أو موافقة، فهل ستكتفي المؤسسة العسكرية بدورها الوطني دستورياً، بأن تكون خارج إطار المعترك السياسي المباشر في الأزمة؟!
انفتاح جميع أطراف مؤتمر برلين على بعضهم البعض قد يوفر الضمانات اللازمة لجميع أطراف النزاع الليبي، خصوصاً بعد تداخل ما بات يعرف بالوضع في شرقي المتوسط والأزمة الليبية. كذلك يتحتم على الاتحاد الأوروبي الخروج بموقف متجانس والتوافق الليبي، وأن يكون متماهياً وموقف طرفي النزاع الليبي ودول جوارها.
تثبيت وقف إطلاق النار في خط الطول الذي سبق وأن حدده الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بات اليوم أمراً قابلاً للتنفيذ سياسياً، إلا أن دعم آلية وقف إطلاق النار ستحتاج أولاً لقوات فصل بين القوى المتقاتلة، ثانياً، من المستبعد أن يقبل المجلس الرئاسي في طرابلس إيكال تلك المهمة للجيش الوطني الليبي. لذلك هل ستقبل كل من مصر، والجزائر بالإضافة للمغرب في توفير مثل تلك القوات اللازمة؟ ثانياً من سيقود تلك القوة؟
نجاح القوى الليبية في التوافق النسبي، وإنْ كان مرحلياً، قد يكون مصدر فرح لليبيين، إلا أن التوافق الأوروبي- الأميركي قد لا يصمد طويلاً إن طال أمد تحقيق مصالحة جادة بين الأطراف الليبية. كذلك يجب تذليل التباينات القائمة حول ليبيا من قبل دول جوارها وسريعا، فإن تعطل ذلك قد يكون مدخلا لتفاصيل جديدة، وكلنا يدرك أن الشياطين تكمن في التفاصيل.
*كاتب بحريني