الثلاثاء الماضي كان يوماً تاريخياً على صعيد الصحة العامة الدولية، مع الإعلان عن خلو القارة السمراء من الفيروس المسبب لمرض شلل الأطفال. ففي هذا اليوم أعلنت الجهة الصحية المعنية (Africa Regional Certification Commission)، خلو نيجيريا من الفيروس، لتكون بذلك آخر دول أفريقية تحقق هذا الإنجاز، بعد أقل من عقد من وقت كانت فيه أكثر من نصف حالات العدوى على مستوى العالم تحدث في هذا البلد الواقع غرب القارة.
وبناء على هذا الإعلان، تصبح باكستان وأفغانستان، هما الدولتان الوحيدتان الباقيتين اللتان لا يزال النوع البري أو المتوحش من الفيروس موجوداً بهما. والمقصود بالنوع البري هنا (Wild Polio)، هو الفيروس الموجود بشكل طبيعي، مقارنة بالنوع الذي ينتج من التطعيمات المستخدمة للوقاية بالفيروس، حيث تحدث العدوى بفيروس شلل الأطفال، إما من النوع البري الطبيعي، أو من نوع المستضعف المستخدم في التطعيمات، والذي قد يشهد طفرة وراثية، ليتحول من وسيلة للوقاية وتحفيز المناعة إلى مصدر للعدوى.
ولا يزال النوع المستضعف المستخدم في التطعيم يشكل مصدراً للعدوى في بعض الدول الأفريقية، حوالي 177 حالة العام الماضي، بالإضافة إلى باكستان وأفغانستان، واللتين يتواجد بهما نوعا الفيروس. ولإدراك أهمية هذا النجاح الأفريقي الأخير، يكفي أن نعلم أن قبل عقدين فقط، كان فيروس شلل الأطفال يتسبب في شلل عشرات الآلاف من الأطفال سنوياً في أفريقيا، ففي عام 1996 مثلاً، تسبب هذا الفيروس في شلل 75 ألف طفل أفريقي. 
ورغم أن شلل الأطفال مرض قديم قدم التاريخ ذاته، حيث توجد سجلات للمرض على جدران قصور ومعابد الفراعنة، فإن الجنس البشري لا زال عاجزاً عن العثور على علاج ناجع لمن يصابون به. فحتى منتصف خمسينيات القرن العشرين، كانت المدن الكبرى حول العالم، تتعرض سنوياً لوباء أو أكثر من شلل الأطفال. فمثلاً، في عام 1915 فر الآلاف من سكان مدينة نيويورك إلى الضواحي، بعدما أصاب وباء شلل الأطفال المدينة، مسبباً شلل 27 ألف شخص، لقي تسعة آلاف منهم حتفهم بسبب مضاعفات المرض.
ولكن هذا لا يعني أن الطب الحديث لم يحقق انتصارات مهمة وحاسمة أمام هذا المرض، في شكل تطعيمات ولقاحات فعالة في الوقاية من الإصابة. ففي عام 1954 تم اكتشاف أول تطعيم ضد الفيروس، وبعدها بثلاثة أعوام تم اكتشاف نوع أفضل، وهو النوع المستخدم حتى الآن، ضمن الجهود الدولية للقضاء على الفيروس. ويكفي لإدراك حجم نجاح جهود مكافحة والقضاء على هذا الفيروس اللعين، أن عدد الإصابات انخفض من 350 ألف حالة عام 1988، إلى بضع مئات فقط حالياً.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية