عنّ لي وأنا اطّلع على خبر الإعلان عن معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل- التي نأمل في دعمها للقضية الفلسطينية والسلام في المنطقة- أن أفتح كراسة في عقلي، وأقلب الصفحات التاريخية، حول القضية الفلسطينية التي كانت، ولا تزال، محوراً مهماً في التحولات السياسية والأمنية المتعاقبة في العالم العربي.
المرحلة الأولى ممتدة منذ قرار تقسيم فلسطين 1947 حتى تحرير الكويت، واتسمت هذه الفترة بالصراع العربي- الإسرائيلي، واستقلال الدول، وصعود وانحسار القومية العربية، وهي أكثر الفترات حروباً من الحروب مع إسرائيل، والحرب العراقية الإيرانية، واحتلال وتحرير الكويت، ولم تخلُ أيضاً من الصراعات العربية- العربية، مثل الحرب الباردة بين الدول الملكية والجمهورية، كما أن نكسة 1967 مهدت لتقوم منظمة «فتح» بدور كبير في الصراع العربي- الإسرائيلي من خلال مواقفها وعملياتها، مثل رفض مبادرة «روجرز» وأحداث «أيلول الأسود»، وكونها طرفاً في الحرب الأهلية اللبنانية وتدخل إسرائيل. ورغم المد القومي العربي القوي في هذه الفترة، فإنه انحسر برحيل عبد الناصر ومعاهدة كامب ديفيد، إلى جانب أحداث احتلال الكويت. 
المرحلة الثانية من تحرير الكويت، حتى احتلال العراق عام 2003، بالفعل، تحرير الكويت بالقيادة الأميركية وانهيار الحرب الباردة، أدى إلى قناعة إقليمية بتحقيق السلام في القضية الفلسطينية، وهنا لابد من ذكر حقيقة أن السلطة الفلسطينية كانت ترغب في ركوب قطار السادات للسلام، ولكن الموقف العربي كان رافضاً ومانعاً. ومع بداية المفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، سارعت الأردن لتوقيع اتفاقية «وادي عربة» لترسيم حدودها، بينما كان حافظ الأسد رافضاً للمفاوضات الفلسطينية، بعيداً عن سوريا، وقد أخذ يدعم الأطراف الفلسطينية الأخرى، وخاصة «حماس»، ويتقرب من إيران وحزب الله لخلق ذراع قوية له في المنطقة، وتَعزز هذا التحالف معنوياً، بانسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان عام 2000.
المرحلة الثالثة تمتد من احتلال العراق، حتى اندلاع الربيع العربي، ولعل رسم ملامح هذه الفترة قد بدأ مع بروز مصطلح محور الشر ومحاربة الإرهاب، مع فكرة مشروع الشرق الأوسط الجديد، حيث خرج ما يُسمى «محور الممانعة» (إيران وسوريا وحماس و«حزب الله»، مع تقارب روسي وصيني وأطراف عربية أخرى)، وهو معارضٌ للهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط وعملية السلام الفلسطينية، وضد ما يسُمي محور الاعتدال، الذي يضم مصر والسعودية والأردن والإمارات والكويت والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى المغرب وتونس وأطراف لبنانية. ويعد هذا المحور مقرباً من الولايات المتحدة، ومؤيداً لتسوية سياسية مع إسرائيل. وفي هذه الفترة وضع العراق في تبعية سياسية لملالي إيران، بالاحتلال الأميركي للعراق.
مرحلة «الربيع العربي» وحتى الآن. باختصار، تتضح هذه المرحلة تحت ما يمكن أن نطلق عليه الحرب الباردة العربية الجديدة بين أطراف عربية محددة، مقابل جماعات الإسلام السياسي، مع تنامي نفوذ إيران وتركيا، اللتين تستخدمان الدين في سبيل تحقيق القوة والمصالح الخاصة. وفي أيامنا هذه، أصبحت جل الشعوب العربية، وحتى الشعب الإيراني، في أمس الحاجة إلى المطالب الأساسية من أمن واستقرار وتنمية وحياة كريمة وعدالة، كما أن القضية الفلسطينية، ربما دخلت في إطار جديد، بعيداً عن التلاعب بها، لتحقيق مصالح دول إقليمية، والمؤشر على ذلك قبول دور إسرائيل في استقرار المنطقة من أطراف عربية عديدة.
*كاتب ومحلل سياسي