المشكلات الاقتصادية الآنية الناتجة عن فيروس كورونا طغت على الجدل بشأن إحلال الآلات محل البشر في العمل. لكن حين تصبح الأمور أقرب إلى الوضع الطبيعي، من المؤكد أن تظهر مرة أخرى هذه القضية وربما تلعب دوراً في الطريقة التي يحدث بها التعافي. والسؤال الأساسي هو إذا ما كان إحلال الآلات جيد أم سيئ للعمال المتوسطين. وأحدث هجوم على الروبوتات جاء من الاقتصاديين «دارون آجم أوغلو» و«أندريا مانيرا» و«باسكول ريستريبو». ففي ورقة بحثية صادرة عن المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية في الآونة الأخيرة بعنوان «هل قانون الضرائب الأميركي يحابي إحلال الآلات؟»، جادل الباحثون أن الضرائب المفروضة على العمال أكبر من تلك المفروضة على العتاد الرأسمالي مما يجعل الشركات تستثمر بكثافة شديدة على الآلات ولا تستثمر ما يكفي على القوة البشرية. 
ويزعم الباحثون أن سوء التخصيص هذا في الموارد مسؤول عن ضعف الأجور وضعف مستويات التوظيف للقوة البشرية. ولتصحيح هذا الوضع، يدافع الباحثون عن فرض ضرائب على الآلات وتقليص الضرائب على الدخل والرواتب. ويرون أن هذا سيعزز التوظيف بنحو 4% وهذه نسبة مذهلة تمثل أكثر من خمسة ملايين من العمال الجدد. فهل الأمر يستحق الاعتبار؟ مع وجود ملايين الأشخاص بلا عمل نتيجة الجائحة ومعدل بطالة يزيد على 10%، فمن السهل أن نتوقع ما قد تكتسبه هذه الفكرة من دعم واسع. والوصفة السياسية تتمثل في دعوة من الحزبين لخفض الضرائب على الدخل والأجور. وهذه الوصفة تتجنب الانتقاد النمطي الذي مفاده أن سياسات تقليص الآلات يمثل عودة للحركة القديمة الداعية للتخلي عن الآلات مما يخلق عمدا عدم كفاءة من أجل توفير وظائف للبشر. فقد زعم الاقتصاديون أن إحلال البشر محل الروبوتات سيجعل النشاط الاقتصادي أكثر كفاءة. 

وإذا كانت الحكومة تضغط في كفة الروبوتات، فرفع هذا الضغط سيفيد الجميع فيما عدا الروبوتات التي لن تبالي بطريقة أو بأخرى على الأرجح. وهناك بعض الناس يتساءلون: إذا كانت الروبوتات تحل محل البشر، فلماذا لم نجد تصاعدا في نمو الإنتاجية؟ فعلى كل حال، إذا كانت الروبوتات أفضل في أداء العمل وأرخص في العناية بها عن البشر الذين تحل محلهم، كان يجب أن تتسارع الإنتاجية، لا أن تتباطأ كما حدث. لكن وفقا لـ«أجم أوغلو» والآخرين، الروبوتات أقل إنتاجية بالفعل من البشر الذين يخرجونهم من سوق العمل، لا تفوز الروبوتات في السباق إلا بسبب قانون الضرائب. 

لكن قبل أن نفرض ضرائب على الروبوتات دعنا نفحص النظرية. يقوم استنتاج الاقتصاديين الثلاثة على نموذج خاص بشأن الطريقة التي تتفاعل بها الروبوتات والبشر في العمل. والنماذج قد تكون خاطئة وخاصة نماذج الاقتصاد الكبير شديدة التعقيد مثل ذاك النوع الذي يستخدمه هؤلاء الاقتصاديون. ومن الجدير بالذكر أن النظريات الاقتصادية الكلاسيكية ربما تمثل مزاعم مختلفة للغاية مع قول حتى البعض إن معدل الضرائب على كل أنماط رأس المال يجب أن تكون صفرا، لذا من المهم أن نفحص البيانات. 

والدليل على أن الآلات تحل محل البشر ضعيف للغاية. فقد توصلت ورقة بحثية للمكتب القومي للأبحاث الاقتصادية لعام 2017 لآجم أوغلو وريستريبو إلى أن الصناعات والمجالات التي أضافت عددا أكبر من الروبوتات شهدت عمالة أدنى ورواتب أدنى. لكن تحليلاً دقيقاً من الاقتصاديين «لورانس ميشيل» و«جوش بيفينز» من معهد السياسة الاقتصادية توصل إلى أن هذه العلاقة ليست واضحة تماما. فقد ركز «آجم أوغلو» و«ريستريبو» على صيغة واحدة ضيقة للغاية من الآلات وهي روبوتات التصنيع. وتوصل ميشيل وبيفنز، بفحصهم البيانات نفسها، إلى أن الاستثمار الإجمالي في تكنولوجيا المعلومات إيجابي التأثير في التوظيف. 

وفحصت ورقة بحثية للاقتصاديين «كاتيا مان» و«لوكاس بوتمان» تأثير براءات الاختراع التي تؤدي إلى ظهور أنواع جديدة من الروبوتات والتكنولوجيا المتعلقة بها. ووجد الباحثان أن الصناعات التي بها براءات اختراع أكثر تميل إلى إضافة وظائف وليس تقليصها. وهذا يشير إلى أن الروبوتات تكمل العمال من البشر ولا تحل محلهم إجمالاً رغم أنها تغير عادةً طبيعة العمل الذي يقوم به البشر. 
فمن الممكن، من ثم، أن «أجم أوغلو» و«مانيرا» و«ريستريبو»، ربما لا يكون لديهم النموذج الصحيح بشأن تأثير الآلات على الوظائف. وربما تعزز الروبوتات التنافسية الدولية التي تعني أن فرض ضرائب على الآلات قد يضع الشركات الأميركية في وضع غير مميز ويخرج المزيد من الأميركيين في نهاية المطاف من سوق العمل. ومن الممكن أيضا أن نظام الضرائب يجب أن يحابي الروبوتات من أجل دعم التقدم التكنولوجي. وإذا كان استخدام قانون الضرائب لدفع الشركات لابتكار أنواع جديدة من الآلات يعزز إيقاع الابتكار، فالأمر يستحق خسارة القليل من الكفاءة في المدى القصير. 
صحيح أنه قد يكون من الجيد توحيد المجتمع الأميركي المنقسم ضد «عدو جماد»، لكن الواقع قد يكون أكثر تعقيدا. والاندفاع نحو فرض ضرائب على الروبوتات قد يقضي سريعا على التنافسية والابتكار وقد يقلص الوظائف والنمو في المقابل. والأمر لا يستحق المغامرة.
*أستاذ التمويل المساعد السابق بجامعة «ستوني بروك» 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»