لا يزال التوتر في شرق المتوسط يتصاعد، ترفع من وتيرته التصريحات النارية التي وصلت إلى مستوى التهديد بين بعض الأطراف، بمفردات غير مسبوقة، كتمزيق الخرائط وإعادة رسمها بالقوة، وتدمير دول و(إزالتها). لتأتي المناورات العسكرية بكافة الأسلحة الجوية والبحرية، من هذا الطرف أو ذاك، وتجعل العالم يحبس أنفاسه أمام مشهد أشبه ما يكون فصلاً تمهيدياً إلى الجحيم.
لكن بعيداً عن هذا المشهد، ثمة أطراف تشكل عوامل ضاغطة تزيد من سعير النار على سطح الماء، ولا يمكنها على الأرجح التوقف عند حد يسهل التكهن به. فالنقطة الأساس في معادلة الحرب اليوم هي ليبيا، والأزمة التي تعيشها بُعيد اتفاقية الصخيرات 2015، حيث كرت سبحة النوايا المضمّرة، لتتوج باتفاقية جائرة بين حكومة «الوفاق» وأنقره، كشفت تفاصيلها أن لا علاقة لها بمصلحة الشعب الليبي. الطرف الأول في ما يجري في شرق المتوسط، هو تركيا ومطامعها غير المشروعة في ثروات الآخرين، فإضافة إلى استراتيجية التوسع والنفوذ التي تبنتها منذ تولي الرئيس أردوغان 2003، هنالك عدد من المشكلات الداخلية تعاني منها تركيا، على رأسها تأتي الأزمة الاقتصادية، ممثلة بفاتورة الدين الخارجي: فمن 2003 إلى 2020، بلغت قيمة الفاتورة 446 مليار دولار، وهو ما يعادل 61.9 بالمئة من الدخل العام لتركيا. 
ومن هنا يمكن فهم الاستماتة التي تتصف بها التحركات التركية، وتصريحاتها المتخبطة على أكثر من جبهة. فالأمر بالنسبة لأردوغان في الداخل اقترب كثيراً من مستوى (نكون أو لا نكون). الطرف الثاني في المشهد هو أميركا الممسكة بأطراف اللعبة في المتوسط، ومن قبله في ليبيا، فبرغم ما يلاحظه المراقب أن لا ذكر لأميركا في فسيفساء المشهد الشرق متوسطي، فإنها موجودة، ربما الانتخابات الرئاسية الوشيكة - نوفمبر المقبل- شغلتها عن البروز على النحو المعتاد، فتركيا لا تستطيع الإقدام على أعمال، كالتي تقوم بها حالياً في المتوسط، إلاّ بضوء أخضر أميركي، وهو مؤقت على أي حال، لأسباب منها أن أميركا تحضّر دوراً مستقبلياً لتركيا في مواجهة أي دور لروسيا في ليبيا، وبما يعزز احتمالية تركها لشريكها التجاري المنافس. ومن جهة ثانية، يراد لتركيا الاحتكاك باليونان عبر حادث مفتعل ومحسوب، مع ضمان عدم تطوره، لتكون نتائجه كما يرجع، رسالة أميركية إلى أوروبا التي خذلته في حربه التجارية مع الصين، وحصاره لإيران. وهنالك موجبات لتسمين هذه العلاقة، ومنها تعثير خط الغاز الروسي (سيل الشمال2) عبر تركيا. لكن أميركا في النهاية لن تتخلى عن اليونان الأوروبية.

*إعلامي وكاتب صحفي