منذ البدايات المُبكّرة لأزمة «كوفيد-19»، استعدّت دولة الإمارات العربية المتحدة لمواجهتها بخطط وتدابير حازمة وشاملة، انطلاقاً من ثقافة مستقرة في الدولة، بأن الاستهانة بأي أزمة تفتح الباب أمام تكبُّد أثمان باهظة، وأنه مهما كانت تكلفة التدابير الوقائية الضرورية في بداية الأزمة وحجم الجهود المُضنية المبذولة لاحتوائها، فإنها أقل بكثير مما يقود إليه التأخر في علاجها، وكان الحسّ الاستشرافي العالي لدى القيادة الرشيدة، والإجراءات التي سارعت إلى اتخاذها، وجاهزية منظومة التصدي للطوارئ والكوارث، أهم الأسس في النتائج الإيجابية التي تحققها الدولة في الانتصار على الجائحة.
وفي هذا الإطار يمكن أن نضع التصريحات الواردة في الإحاطة الإعلامية لحكومة الإمارات بتاريخ 8 سبتمبر 2020، عن وصول عدد فحوص الكشف عن فيروس كورونا، التي أجرتها مؤسسات الرعاية الصحية بالدولة منذ بدء الأزمة، إلى 7.5 مليون فحص، لتُواصل الدولة احتفاظها بالمركز الأول عالمياً في التزام هذا الإجراء الوقائي الضروري، بوصفه الخطوة الأولى للمواجهة بالتوازي مع الجدية في فرض إجراءات الوقاية والتباعد الجسدي.
فحوص الكشف عن كورونا تتيح اكتشاف الفيروس لدى المصابين به مبكراً، وهو ما يضمن تحقُّق أمرين مهمين: أولهما تقديم الرعاية الصحية للمصاب في وقت مبكر، لأن تأخر الكشف عن الفيروس يزيد من الأخطار الصحية المحتملة، والأمر الثاني هو إيقاف فرصة نقل الفيروس إلى آخرين مخالطين للمصاب، ويلي ذلك توفير النظام الصحي الإماراتي أفضلَ الخدمات العلاجية للمصابين، وأدى ذلك كله إلى النتيجة التي وردت في الإحاطة الإعلامية، وهي تحقيق نسب شفاء عالية حتى الآن تبلغ 90% من المصابين، بينما تبلغ نسبة الوفيات 0.5%، وهي من أقل النسب في العالم.
ومن المؤكد أن ارتباط الأزمة بخطر فقدان الأرواح، كان دافعاً إلى التزام دولة الإمارات مزيداً من الحزم في تصديها للجائحة، لأنها تؤمن بأن الحفاظ على الروح من أهم واجباتها، انطلاقاً من قوله تعالى: «ومَن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً»، ومن المبادئ الإنسانية والأخلاقية التي توجِّه سياستها، وإذا كانت الدولة قد سارعت إلى إرسال المساعدات والإمدادات الطبية إلى عشرات الدول حول العالم، فإن مسؤوليتها تجاه مواطنيها وتجاه كل مَن يقيمون على أرضها جعلتها أكثر حرصاً على أن توفر لهم كل ما يحمي حياتهم، وربما يكون مؤسفاً أن تُرصَد حالات للاستهانة بالإجراءات الوقائية، على النحو الذي كشفت عنه الإحاطة الإعلامية من إصابة 45 شخصاً وحدوث حالة وفاة لسيدة مُسنّة، بسبب تقاعس شخص واحد من الأسرة ظهرت عليه الأعراض عن اتخاذ ما يلزم من إجراءات.
وفي ظل هذه الجهود، لم يكن غريباً أن تُحرز دولة الإمارات مراتب متقدِّمة جداً في التصنيفات العالمية لأفضل الدول في مواجهة كورونا، حيث حلّت في المركز الأول إقليمياً والتاسع عالمياً في قائمة أكثر الدول أماناً من الجائحة في شهر سبتمبر الجاري، وفقاً للتصنيف الشهري الذي تصدره مجموعة «ديب نوليدج» للبحوث التقنية، وكانت الدولة تحتل المركز الحادي عشر عالمياً في الإصدار الأول من هذا التصنيف في يونيو الماضي، ثم تقدَّمت إلى المركز العاشر عالمياً في أغسطس، ويعني هذا المسار التصاعدي أن مواجهة كورونا في الدولة تتقدم باستمرار، ولا تكتفي بما حققت من نجاح.
إن أزمة كورونا أكبر من مجرد أزمة صحية عابرة، بحكم تبعاتها الاقتصادية والسياسية وتأثيرها في الصورة الذهنية والثقة بنظام الحكم والإدارة في أي دولة، ولذا فإنها تُعَدُّ اختباراً حقيقياً لقدرة دول العالم على حشد طاقاتها وقدراتها، وتنسيق العمل بين مؤسساتها المختلفة من أجل التغلب على تهديدٍ متعدِّد الأوجه، وقد نجحت دولة الإمارات في إضافة الكثير من النقاط إلى رصيدها، وعزَّزت مكانتها بوصفها واحدة من الدول، التي تُقدِّم للعالم من الدروس والممارسات الجيدة، ما يمكن أن تطبّقه وتستفيد منه دول وشعوب كثيرة حول العالم.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.