بعد عام 2002، خرج بعض النخب الفلسطينية بمقولة إن العرب «هم السبب المباشر» في مشكلة فلسطين وهذا الكلام ظهر بعد أن قدم الملك عبدالله بن عبدالعزيز، رحمه الله مبادرته عن السلام الشامل الكامل مع إسرائيل بشرط إقامة الدولة الفلسطينية.
«فقط يرفع العرب أيديهم عن القضية الفلسطينية، غداً ستقوم الدولة»! مر على هذا الطرح الغريب قرابة عقدين، لم تقم «الدولة» بعد، وقد انشغلت العرب بدحض «الربيع العربي»، وزادت في هذه الفترة الشُقة بين الفلسطينيين أنفسهم، ولم يلتئموا حتى الساعة للإعلان عن الدولة رغم انشغال العرب كلا بذاته عن فلسطين.
فلنبدأ المسألة من الجِذر، كنا نناقش في السابق قضية فلسطين في الدائرة الواسعة للعرب والمسلمين، حيث بدأت مسألة إسلامية تخص قرابة ملياري مسلم.
مع تقادم الزمن وتغير السياسات في العوالم من حولنا، انتقلت القضية برمتها إلى مرمى العرب.
بعد هذه التغيرات غير المتوقعة لدى البعض المؤمن باليوتوبيا في السياسة، حجَّمت القضية وحصرتها في المربع الفلسطيني- الفلسطيني.
إلى هنا صارت فلسطين شأناً داخلياً يخص السلطة الفلسطينية، اختلفت الأطياف الأخرى حولها حتى وصل الخلاف إلى أحقية من بفلسطين أهل الضفة الغربية الذين فقدوا إيمانهم بالمقاومة لاسترداد الحقوق المسلوبة منذ استبدل عرفات المسدس بغصن الزيتون، واستمرار «أبومازن» على النهج ذاته.
المشكلة تكمن في الانقسام الفلسطيني وغياب البوصلة الواحدة الحاسمة للتسوية، والمشكلة في مزايدات وهمية تتلاعب بعواطف الجماهير، دون فعل حقيقي، القضية بدأت منذ عقود تعاني من أبنائها قبل المعاناة من الآخرين، والخطأ كل الخطأ في تحميل الغير الأخطاء دون منطق، وعدم التعامل بعقلانية مع المعطيات السياسية. لا يجوز فرض رؤى بعينها على العرب، بعدما ثبت فشل التخندق في شعارات واهية، وبعدما تشظت القضية إلى فصائل وميليشيات. 
الانقسام الفلسطيني ظهر من خلال الصدام الدامي بين غزة «حماس» و«ضفة» السلطة، وبعدها دخلت إسرائيل على خط الاشتباك، فطوق حبل المحتل عنق «غزة» ورقبة «الضفة»، فلم نعد نفرق المحتل عن المختل.
لنذهب إلى أهل الشأن الفلسطيني ونقف قليلاً عند أقوالهم ونتمعن في تصريحاتهم، حيث أشار «أبو مازن» إلى أن المحكمة الدستورية أصدرت قراراً بحل المجلس التشريعي والدعوة لإجراء الانتخابات خلال ستة أشهر، مؤكداً على الالتزام بقرار المحكمة الدستورية وأضاف في مستهل اجتماع للقيادة الفلسطينية: «قلنا لأميركا لا، وسنبقى نقول لها ولغيرها لا»، مؤكداً على أنه «إذا ذهبت القدس فلن يبقى شيء لنتكلم عنه، ولكننا لن نصمت ولن نقبل بذلك». وقال: «لن نبيع القدس، وستبقى العاصمة الأبدية للشعب الفلسطيني، وسنستمر بتقديم طلب توفير الحماية الدولية لشعبنا في المحافل الدولية». 
في ظل هذا الظرف الحساس من حياة الأمة العربية، ليس بمقدور عباس وحده قول «لا» وقد قال البعض من قبله «نعم» ولم يسلم.
نأتي إلى الوجه المعاكس لعباس والمنافس سابقاً لعرفات ونستشف توجهاته حيال فلسطين في مرحلة «الصفقة».
نمضي مع دحلان مؤخراً عندما أفصح عن موقفه الثابت حيال القضية الفلسطينية، وهو خيار حلّ الدولتين، الأنسب والأفضل والأنجع لحل الصراع وتحقيق الاستقرار.
ووفقا للقانون لا يملك «أبومازن» صلاحية حل المجلس التشريعي، إلا إذا أعاد نصفه المغتصب لدى «حماس»، حيث تواجه المصالحة الفلسطينية، التي ترعاها مصر تحديات كبيرة بسبب مراوغة طرفي الانقسام خلال الأشهر الأخيرة. وإلى أن تتحقق المصالحة سيظل الفلسطينيون يعانون من أبناء جلدتهم أولاً، فالمشكلة لا تزال في الداخل الفلسطيني وليس العرب كما يزعم من يريدون التنصل من مسؤوليتهم.
*كاتب إماراتي