أثبت لقاء الفصائل الفلسطينية الأخير الذي جرى ما بين رام الله ودمشق عبر الشبكات الإلكترونية، أن قيادة المنظمة لا تتحدث فقط لغة خشبية لم يعد أحد يفهمها، بل إنها كذلك تستخدم سيوفاً خشبية، كتلك التي درج «دون كيشوت»، بطل المؤلف الإسباني «سربانتيز»، على استخدامها في محاربته لطواحين الهواء، فيما كان يظن أنها فرسان معادية.
منذ عام 1979 أي في عام توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، والقيادات الفلسطينية تتعاطى بلغة الشعارات الزاعقة والأصوات الفاقعة، إلى أن جاء ياسر عرفات في زمن أوسلو والذي كان تطبيعاً فلسطينياً- إسرائيلياً مباشراً، وما من أحد قادر على أن ينكر ذلك، ليستخدم لغة مغايرة، وكثيراً ما تشدق الرجل رحمه الله بأن أحداً لا يستطيع أن ينكر أن «اليهود أولاد عمنا»، كان يقولها بملء فيه، ضاحكاً.
غابت الرؤية عن القيادة الفلسطينية الحالية، وهي غائبة أو مغيبة قسراً عن إسماعيل هنية وجماعة «حماس»، فرع «الإخوان» المسلمين العقدي في غزة، وكذلك عن بقية المجتمعين هناك، لا سيما الذين جاؤوا من بيروت ودمشق وهم كأصحاب الرقيم في سباتهم غارقون، وبدوا وكأنهم من خارج الزمان.
لم يرتفع صوت بالعقلانية، ولم يطالب أحدهم بالنظر الموضوعي في علاقة دول الخليج عامة منذ الستينيات وقبلها بالقضية الفلسطينية، حيث وقفت زاخمة التوجهات السياسية، ومانحة مليارات الدولارات، وفاتحة أبوابها للعمالة الفلسطينية ومقدمة إياها على من سواها من الشعوب والأمم، انطلاقاً من كونهم ضحايا للاحتلال الجاثم على صدورهم.
اللغة الوحيدة التي سمعناها من رام الله إلى فصائل فلسطينية في بيروت ودمشق هي لغة التخوين والتحريض، لغة إثارة الغبار على الإمارات وعلى بقية دول المنطقة، غير أن العين الفاحصة المدققة لا تغيب عنها تلك الحيلة، التي اتبعت للتغطية على خيانات فلسطينية داخلية تمتد من طهران، إلى أنقرة.
عجيب أمر هذا اللقاء الأخير والمشاركين فيه، وبخاصة حين يوزعون اتهامات جزافاً من قبيل ما أسموه المشاريع الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتجاوز حقوقها المشروعة، مع إدانة كل مظاهر التطبيع مع الاحتلال.
الذين طعنوا القضية الفلسطينية ولا يزالون هم الذين عمقوا الجرح الفلسطيني والشرخ المجتمعي منذ انتخابات 2007 وحتى الساعة، خدمة لتوصيات بل تنفيذاً لأوامر طهران، وتالياً بات اللعب على المكشوف في مغازلة أردوغان.
الفريق الأول مثلته «حماس» ولا تزال، وهي التي جعلت من غزة قاعدة متقدمة لفلول جماعة «الإخوان» الإرهابية، ما شوه وجه النضال الفلسطيني في عيون أحرار العالم، الذين يحاولون في بيان اللقاء الأخير استدعاءهم زوراً.
فيما الفريق الثاني فمن أسف شديد، بات ديدنه مؤخراً البكاء على أكتاف أردوغان، وينسى أو يتناسى أن تركيا هي أول مطبع مع إسرائيل سراً وجهراً منذ العام 1949 وحتى الساعة.
تهديدات «هنيه» المنحولة التي تحدث عنها، هو السبب الرئيس فيها، لا سيما وأنه يتعامى عن قراءة معطيات الجغرافيا، ومدلولات الديموغرافيا، كونه من يعطي إسرائيل الذرائع صباح مساء للمزيد من قضم الأراضي الفلسطينية.
تجاوزت عدالة القضية الفلسطينية جيل القيادات الحالي وسيوفهم الخشبية، وحان وقت انتقال الراية إلى مناضلين عصرانيين بلغة القوة الناعمة بدلاً من حصان دون كيشوت البائس ودرعه البالي.
*كاتب مصري