في الوقت الذي يستعد فيه الأميركيون للمشاركة في واحدة من أكثر الانتخابات إثارة للشقاق في تاريخ البلاد، هناك ثلاثة أمور من عمل الطبيعة، تجعل هذه الانتخابات مثيرة للقلق بشكل خاص. فأولاً: هناك جائحة مستمرة في ظل مواصلة فيروس كوفيد-19 تكبيدنا حصيلة هائلة في الأرواح وفي الاقتصاد الأميركي. وثانياً: هناك موجة من حرائق الغابات الضارية في الولايات الغربية، في واشنطن وأوريجون وكاليفورنيا. ومازالت الحرائق خارجة عن السيطرة، مما يجعل الحياة صعبة ومخيفة على امتداد هذه المنطقة برمتها. وثالثاً: هناك عدد كبير من الظروف المناخية المتطرفة، تؤدي إلى أعاصير وعواصف استوائية تتسبب في رياح شديدة وأمطار، وتصاعد في المد في مناطق من الجنوب الشرقي الأميركي. 

وأسباب هذه الظواهر الطبيعية والاستجابة لها أخذت صبغة سياسية أضفاها عليها المرشحان الرئاسيان، «الجمهوري» و«الديمقراطي»، مما أضاف ارتباكاً وحالة من الريبة المرضية لدى كثيرين من المواطنين. فقد واصل الرئيس دونالد ترامب التقليل من شأن خطورة فيروس كوفيد-19، بما في ذلك تقليله من شأن العدد المرتفع من وفيات الأميركيين. كما أصبح ترامب أكثر جرأة في قراراته، فيما يتعلق بعقد عدد أكبر من الاجتماعات السياسية في أماكن مغلقة، دون محاولة التمسك بإجراءات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات. ويتجاهل القواعد التي وضعها حكام الولايات والخاصة بكوفيد-19، وأصر على الجدل بأن الولايات المتحدة في طريقها للتعافي، مع تحسن الاقتصاد من جديد، واحتمالات الإعلان عن لقاح ناجع في معالجة الفيروس في الأيام السابقة على انتخابات نوفمبر. وفيما يتعلق بحرائق الغابات والأعاصير، مازال الرئيس يتجاهل ويرفض المزاعم التي مفادها أن الأمرين مرتبطان بتغير المناخ. ومازال يرفض الرأي المهيمن وسط علماء المناخ، مشيراً إلى احتمال الخطأ في وجهات نظرهم وعلمهم. 

لكن المرشح «الديمقراطي» جو بايدن، النائب السابق للرئيس باراك أوباما، يتبنى وجهة نظر تتعارض تماماً مع ترامب. فقد دأب على تذكير الناخبين بأن انتهاء الجائحة مازال بعيداً، وأن الاقتصاد يغوص في ركود عميق، رغم صعود سوق الأسهم، وأن الإدارة قاسية للغاية في رفضها تأييد منح المزيد من الإعانات المالية السخية للمواطنين الأكثر احتياجاً. وهجمات بايدن شديدة على ترامب، فيما يتعلق بتغير المناخ، مشيراً إلى أن رفض ترامب للعلم يمثل تهديداً للبلاد والعالم. 

ولا شيء مما يقوله أو يفعله ترامب أو بايدن، سيكون له أي تأثير كبير على التهديدات الآنية التي تواجه البلاد. ومن غير المرجح أن تؤثر التعليقات اللاذعة المتبادلة بينهما في كثير من الناخبين. لكن هناك أهمية كبيرة للطرف الفائز بالانتخابات وما يعنيه هذا للسنوات الأربع المقبلة. فإذا فاز ترامب بفترة ثانية، أو حقق بايدن انتصاراً واحتل البيت الأبيض، فقدرة أي من الرجلين على الحكم ستتوقف على نتيجة سباقات الكونجرس المحورية، وخاصة فيما يتعلق بالسيطرة على مجلس الشيوخ. و«الديمقراطيون» يبذلون جهوداً شاملة من أجل الفوز بأغلبية في مجلس الشيوخ، مما يعني إلحاق الهزيمة بأربعة أعضاء «جمهوريين» في المجلس، يواجهون تحديات صعبة في ولاياتهم. 

وإذا حدث هذا، واحتفظ «الديمقراطيون» بسيطرتهم على مجلس النواب، فإن أي شخص سيحتل البيت الأبيض، سيصبح تحت رحمة الأغلبية «الديمقراطية» في المجلسين النيابيين، وبالتالي ستكون سلطاته مقيدة في قضايا محورية تتعلق بالتمويل والعدل. وفي ظل هذه الظروف، سيكون فوز ترامب بفترة ولاية ثانية مقيداً، كما لم يحدث في السنوات الأربع الماضية. وسيصبح ترامب في الواقع «بطة عرجاء»؛ أي غير قادر على القيام بتعيينات مثيرة للجدل في كل الوكالات الحكومية المحورية، وأهمها التعيينات في المحكمة الدستورية العليا. 

وإذا فاز «بايدن» وسيطر «الديمقراطيون» على مجلسي الكونجرس، سيكون بوسع الرئيس الجديد إلغاء كثير من الإجراءات الأكثر إثارة للجدل، التي اتخذها ترامب، وفرض سياسة اجتماعية واقتصادية جديدة أكثر راديكالية، بما في ذلك إجراء إصلاحات من الرعاية الصحية وكل القضايا المتعلقة بتغير المناخ. وهذا الاحتمال يثير قلق عدد من المحافظين المعارضين لترامب، الذين تعهدوا بالتصويت لبايدن، لكنهم يعتزمون التصويت لـ«الجمهوريين» الذين يخوضون السباق على مقاعد في الكونجرس، في محاولة لمنع الحزب «الديمقراطي» من أن يكون له سلطة غير مقيدة، وهو الاحتمال الذي يعتبرونه مقلقاً للغاية.
*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشونال انترست»