يقول الشاعر المعروف أحمد الصافي النجفي في لحظة تجلٍ شعرية «سنّي بروحي لا بِعدِّ سنيني/ فلأسخرن غداً من التسعينِ/ عمري إلى السبعين يركض مسرعاً/ والروح ثابتة على العشرين». وإذا كان هذا القول البديع ينطبق كما قصده الشاعر على الأرواح البشرية، إلا أنه في حالة الدول ينطبق بامتياز على المملكة العربية السعودية، ففي هذا الشهر يتجدد شباب المملكة وهي تكمل تسعين عاماً على اكتمال وحدتها العظيمة على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل رحمه الله. 
مرت السعودية منذ تاريخ تأسيسها الثالث بعدة مراحل، وكانت القيادات المتعاقبة لهذه البلاد تتعامل مع كل مرحلة بما يتناسب مع طبيعتها وأدواتها، ما مكنها من الخروج من أزمات كثيرة خلال التسعين عاماً الماضية وهي بكامل عافيتها، وساعدها في خلق منظومة مدنية صلبة قاومت المتغيرات الإقليمية والدولية بكل ثبات. 
بدأت المرحلة الأولى للسعودية الثالثة باستعادة مدينة الرياض في العام 1902، وتبع ذلك رحلة طويلة امتدت لحوالي 30 عاماً، تمكن فيها الملك عبدالعزيز من توحيد أجزاء بلاده إقليماً.
في هذه المرحلة لم يقفز الملك عبدالعزيز على حقائق التاريخ والجغرافيا، ولم يحرق المراحل قبل أن يصل إلى هدفه الرئيسي، وإنما كان يتعامل مع المعطيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في تلك الفترة بما يتناسب مع طبيعتها وحساسيتها، إذ بدأ أولاً بالعمل على تثبيت الاستقرار في الداخل من خلال فرض الأمن والقانون على المناطق التي كانت تدخل تباعاً تحت حكمه. ثم أتبع ذلك بتأسيس منصات اقتصادية وبيئات أعمال مستقرة تُساعد المواطنين في الدخول في الحالة المدنية من غير أن يدفعوا ثمناً لذلك. وكانت علاقاته السياسية الخارجية تتسم في ذلك الحين بالاتزان والحكمة، فلم يدخل في سياسة المحاور مع أحد، ولم يعادي أياً من جيرانه، واختار بدلاً من ذلك أن يبني علاقات خارجية متوازنة على أسس من الاحترام المتبادل والمنافع والمصالح المشتركة.
ثلاثون عاماً حتى اكتمل البناء عام 1932. وفي المرحلة التي أعقبت ذلك وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية انشغل السعوديون في بناء الأسس المتينة لدولتهم الجديدة من الصفر، غير متناسين لمتعلقات ماضيهم القريب، وغير غافلين عما يدور حولهم من أحداث دولية.

وفي المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية لم يغامر السعوديون سياسياً ولم يندفعوا خلف الإيديولوجيات السياسية التي كانت قائمة آنذاك، بل حافظوا على ثباتهم واستقرارهم وبنوا الحصون حول مكتسباتهم، على عكس بعض دول المنطقة التي كانت أغنى منهم وأكثر مدنية وأعمق جربة سياسية، لكنها ضيعت كل ذلك تحت عناوين ثورية زائفة، خُلقت لتموت.
واليوم في هذه المرحلة الجديدة يشتغل السعوديون على تحديث بلدهم تحت قيادة الملك سلمان بن عبدالعزيز وباستنارة من رؤية ولي عهده الأمير محمد بن سلمان، واضعين في اعتبارهم أن الالتفاف حول قيادتهم والوقوف معها ضد الحملات الخارجية التي تنوي إنهاك السعودية وإضعافها هما مفتاح نجاح دولتهم في هذه المرحلة.