بعد طول انتظار، سيكون بوسع المسلمين من السعوديين والمقيمين في المملكة أن يؤدوا العمرة في أعقاب سبعة أشهر من توقفها، وإثر مرور المسلمين جميعا بموسم حج لم تر الأجيال التي تعيش حالياً له مثيل أبدا، إذ اقتصر على عشرة آلاف شخص من داخل السعودية، تابعهم العالم كله هذه المرة بعيون لم تختلف عن التي تابعتهم من قبل، لكن اختلفت الأفهام والمشاعر حتى لو لم يطرأ أي تغيير على الشعائر.
بدا الحج في الموسم الذي انصرم أشبه بـ «ماكيت» صغير يهندس الهيئة التي يظهر عليها البناء الضخم، فالعدد الضئيل قياساً إلى ما اعتاده الناس، والمسافات التي اتسعت بين أفراد الحجيج، والمخاوف التي تسكن العيون، والسياقات المشبعة بأخبار عن الإصابة والمرض والتعافي والوفاة والخسائر الاقتصادية التي تتوالى، وكان من بينها اقتصاديات العمرة والحج التي يقدر ما أضافته للخزينة السعودية في العام الذي سبق كورونا بإثني عشر مليار دولار.
تدرج إدراك الناس لهجوم الوباء من عدم اعتناء حين كانت الأخبار تتناثر آتية من الصين، إلى ترقب وتساؤل بعد أن أخذت الحكومات تتحدث عن إجراءات احترازية، ثم خوف وذعر بعد أن بدأت الشاشات تكثف عرضها لأرقام المصابين ، لكن صار كل شيء يقينياً في بلادنا بعد توقف العمرة، وزاد رسوخاً إثر مشهد الحج المغاير.
فرغم أن هذين الطقسين الدينيين يؤديان بالطبع إلى فقدان «التباعد الاجتماعي» الذي صار اللافتة الأعرض المرفوعة منذ هجوم كورونا فإن كثيراً من الناس اعتقدوا أن وضعهما الجوهري في الاعتقاد سيجعل السلطات موضع استثناء في إجراءات الوقاية، وهو أمر ليس له موضع في العلم ولا التجربة إنما صنعه الرجاء، وحضر فيه كل وجدان يرتبط ببيت الله الحرام. في الحج نجد قادمين من شتى أنحاء العالم الإسلامي، على اختلاف الألوان والأشكال، والأعراق والأجناس، والثقافات والطبقات، في مشهد لا يتكرر كثيراً في أديان أخرى، وإن كان له شبيه فليس بهذا التوحد في الزي والتنظيم الذي يكون في الحج، بما جعل العالم كله يلتفت إلى هذا الطقس الديني.

لهذا انتظر المسلمون أن يتم الحج في موعده بكامل طاقته، وكان يحدوهم أمل أيامها أن تضع حرب كورونا أوزارها قبل حلول موعد هذه الشعيرة الدينية الكبرى، وكان بعضهم يخاف من أن يمضي العام دون حج، معتبراً أن هذا فأل سيء، لكن المملكة، بجهودها الكبيرة، حلت المشكلة بإقامة حج آمن، فيما أوقفت العمرة إثر تصاعد الإصابات والوفيات فيها، والتي سجلت، وفي البيانات الرسمية، نحو 331 ألف مصاب، وما يربو على 4,6 ألف حالة وفاة. 
قبل يومين أعلنت هذه السلطات أنها ستسمح بأداء مناسك العمرة من داخل المملكة اعتباراً من الرابع من أكتوبر، فحالياً يتم السماح لستة آلاف من المواطنين والمقيمين في السعودية بأداء العمرة يومياً، وهو عدد يمثل ثلاثين في المئة من طاقة استيعاب تبلع 20 ألفا، وذلك لمراعاة الإجراءات الصحية الاحترازية. وسترتفع تلك النسبة إلى خمسة وسبعين في المئة من هذه الطاقة في 18 أكتوبر، بينما سيتم السماح للمعتمرين من دول معينة تعتبر آمنة في وجه الوباء بأداء المناسك ابتداء من أول نوفمبر المقبل، لتكتمل طاقة الاستيعاب، كما جرت طوال السنوات السابقة، وهو أمر ينتظره المسلمون، ليس لقدرتهم جميعا على أداء مناسك العمرة والحج، إنما لما يعطيه هذا لهم من اطمئنان نفسي بأن الجائحة في طريقها إلى الزوال، أو أنها باقية لكن يمكن التعايش معها بكفاءة، لاسيما إن توصل العلماء إلى لقاح.