الساعون إلى نهب ثروات الآخرين ما أن يسمعوا بثروة في منزل أو متجر، فإنهم يضعون خطط السطو المسلح لنهب تلك الثروة.. ولطالما تفاخر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأنه سليل سلاطين الدولة العثمانية، الذين كانوا قد نهبوا موجودات الحجرة النبوية المشرفة، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، ولذلك فليس من المستغرب أن ينتهج أردوغان نهج أسلافه في السطو على ثروات الآخرين.
الخطة التركية بدأت مبكراً في نسج علاقات مع حكومة السراج في ليبيا، وهي كيان أفرزه التشقق في البنية الوطنية الليبية، ليتسلل السراج كما تسلل من هم على شاكلته في اليمن ولبنان، نجح أردوغان في صياغة اتفاق مع حكومة السراج، يمهد للأتراك الحصول على جزء من الثروات النفطية والغازية الليبية، كان المخطط التركي يمضي من دون عقبات سوى تلك التقارير الصحفية عن خطورة التواجد التركي، وتكرار النموذج السوري بالاعتماد على المرتزقة و«الدواعش».
في لحظة ما، ظهر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في يونيو 2020، ليربك المخطط التركي بل لينسفه نسفاً، فبمجرد تحديد «الخط الأحمر» بين سرت والجفرة، واعتبار تجاوزه انتهاكاً للأمن القومي المصري، تغيرت قواعد اللعبة، ليس في ليبيا بل حتى في شرق البحر المتوسط، الذي وجد أردوغان نفسه محاطاً بخصوم من حلف «الناتو»، بما فيهم فرنسا التي جددت موقفها من الطلب التركي الانضمام للاتحاد الأوروبي، إضافة لموقف اليونان وقبرص من انتهاك تركيا للقانون الدولي، بالتنقيب عن الغاز في خارج نطاقها الإقليمي.

عادت القاهرة لعنصر المفاجأة، بإعلان «منتدى غاز المتوسط» وتحويله لمنظمة إقليمية، مما قطع على الرئيس التركي أردوغان كافة مخططاته في شرق المتوسط، وتقلصت طموحاته في النفوذ على واحدة من أكثر المناطق الواعدة بإنتاج الغاز والطاقة النظيفة حول العالم، هذه الصفعة لم تأتِ مجردة، بل رافقها موقف الجامعة العربية الرافض لكافة التدخلات التركية سواء في ليبيا أو سوريا أو العراق، مما عزز الموقف المصري الذي استطاع تحجيم الدور التركي، ووضعه في موقف صعب.

وكما هي سياسة أردوغان المعتادة، فلقد لجأ إلى إرسال رسائل مباشرة إلى القيادة المصرية للخروج من المأزق الذي وضعته فيه القاهرة، أردوغان مستعد لتسليم بعض عناصر تنظيم «الإخوان» لتخفف القيادة المصرية من الضغوط، أو بصيغة أخرى إخلاء سبيل مشروط بدفع أنقرة لكفالة بعدد من رؤوس قطيع «الإخوان»، وهنا تبدو سذاجة الصفقة التي يحاول الرئيس أردوغان تقديمها للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، فالصفقة تتجاهل أن مصر ضمن محور سياسي يضمها والإمارات والسعودية والبحرين، وهو ما يعني أن على الرئيس التركي الإقرار بأن سياساته وتحالفه مع تنظيم «الإخوان» وصل إلى نهايته، فالمحور العروبي ليس في مجال التفريط في فرصة تسوية حساباته مع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» بعد عقود طويلة من المؤامرات والتحالفات للإضرار بالعالم العربي.
الرئيس السيسي لا يبدو مستعجلاً، فهو كالذي يرى خصمه الذي لطالما هدد مصر وحاول زعزعة أمنها يراه في قفص من حديد، ولم تعد مخالب هذا الخصم تستطيع التأثير، نظراً لما يعانيه حلفاء أردوغان من معضلات تفاقمت، فلا دولة قطر تملك مزيداً من المليارات لتغطي فشل السياسات الاقتصادية لحكومة أردوغان، ولم تعد إيران قادرة على التنفيس عن أزمات تركيا نتيجة الضغط الأميركي المتواصل، منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.

سيقدم الرئيس التركي أردوغان للقيادة المصرية مزيداً من العروض لتخفيف القيود التي وضع فيها، خاصة أن تحولات حادة في الشرق الأوسط أخذت في تغيير التوازنات وفرضت قواعد جديدة، لن تكون فيها تركيا ذات وزن يذكر نتيجة سياساتها التصادمية وتحالفاتها مع التنظيمات الإسلاموية، وهو باب يمكن للمصريين فتحه متى ما أرادوا على اعتبار السجل الحافل للأتراك بدعم جماعات مصنفة إرهابية.