في موقف استعراضي اعتذرت قطر عن استكمال الدورة الحالية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري، مع تمسكها بحقها في رئاسة الدورة المقبلة المقررة في مارس 2021، وذلك بعد الموقف الانفعالي للسلطة الفلسطينية التي تسلمت رئاسة الدورة الحالية للجامعة العربية في التاسع من الشهر الجاري، والتي كان من المفترض أن تستمر ستة شهور، وتنازلت عن حقها في ترؤس مجلس الجامعة في دورتها الحالية، بعد ما لم تتمكن  (أي السلطة الفلسطينية) من الحصول على إدانة الجامعة لمعاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلي خلال اجتماع مجلس الجامعة على مستوى وزراء الخارجية. إلا أن السلطة الفلسطينية سرعان ما أكدت على أن «دولة فلسطين لن تنسحب من الجامعة العربية، ولا من أي من المنظمات الإقليمية»، منهيةً جدل التساؤلات التي أثارها إعلان رئيس الوزراء الفلسطيني ببدء دراسة «تصويب علاقة فلسطين بالجامعة العربية»، وليعيد الموقف القطري والفلسطيني طرح تساؤل حول مصير ومستقبل الجامعة العربية. 
واحتفلت جامعة الدول العربية هذا العام بمرور 75 عاماً على إنشائها الذي تحدد المادة الثانية من ميثاقها الغرض منه، بالتأكيد على وحدة المصالح العربية والمصير العربي المشترك عبر «توثيق الصلات بين الدول المشتركة فيها، وتنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها، والنظر بصفة عامة في شؤون البلاد العربية ومصالحها»، إضافة إلى التعاون في الشؤون الاقتصادية والثقافة والاجتماعية وغيرها. إلا أن الجامعة في الواقع غابت عن لعب  دور في الأحداث الكبرى التي اجتاحت المنطقة العربية منذ الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 والانقسامات العربية التي واكبت ذلك الحدث الخطير، مروراً بالغزو الأميركي البريطاني للعراق عام 2003. وغابت في خضم اضطرابات «الربيع العربي» التي عصفت ببعض البلدان العربية. كما غابت مبادراتها عن حل ناجع الأزمات المتراكمة في اليمن وليبيا وسوريا، وتُركت الأزمات العربية للأمم المتحدة ولتناقضات المصالح بين الدول الإقليمية.
الحديث عن تأثير الخلافات العربية العربية على أداء الجامعة لم يتوقف منذ التأسيس، وكان الوجه الأبرز لضعف فاعلية دور الجامعة العربية، لكن منذ قلاقل «الربيع العربي» عام 2011، برز تأثير عامل التدخلات الإقليمية في الشؤون العربية بشكل حاد، حتى غدت الدول العربية ساحةَ صراع إقليمي ودولي لفاعلين مختلفين، مع استمرار حالة الاضطراب في العراق وسوريا، وامتدادها إلى الساحتين اليمنية والليبية، وبروز فاعلين إقليميين يمارسون تدخلات متزايدة على الساحة العربية، كتركيا وإيران، مما زاد من تحجيم فعالية جامعة الدول العربية وارتهان قرار بعض أعضائها لأجندات إقليمية أثّرت على القرار العربي.
إن إصلاح الجامعة العربية، اليوم، لا يمكن أن يستند إلى توصيفات قديمة، كتعديل الميثاق، أو تغيير آلية اتخاذ القرارات، أو تعديل الهياكل المؤسسية والإدارية للجامعة، وإنما يجب أن يستند إلى مبادرات جديدة وعملية تراعي المتغيرات الإقليمية، وتأخذ بعين الاعتبار حقيقة وجود الخلافات العربية العربية، وتباينات المصالح وتناقضاتها بين الأعضاء. فبقاء الجامعة واستمرار دورات انعقادها، رغم ضعف أدائها السياسي خلال الأزمات التي مرت، إضافة إلى النجاح النسبي لمؤسساتها الفنية والمتخصصة مبقيةً فكرة العمل العربي المشترك، يؤكد أنه رغم كل المصاعب، فإن الجامعة مؤسسة قابلة للاستمرار، لكنها بحاجة إلى تعزيز أطر عمل مشتركة، واعتماد مبادرات جديدة وتدريجية تتواكب مع المتغيرات الدولية والإقليمية الجديدة، وتحفظ العمل العربي المشترك، ولو في حده الأدنى.