لما كانت الذات وجوداً زمانياً في التاريخ، وكان الزمان متصلا بين الماضي والحاضر والمستقبل (مع توهم الانفصال)، كانت مهمة التأويل تحقيق هذا التواصل بين الماضي والحاضر وإعادة قراءة القديم في مرآة الجديد، وقد تراءى الجديد في مرآة القديم. فالظاهريات حركة مزدوجة تقدمية ‏–تراجعية ‬في ‬آن ‬واحد، ‬من ‬البداية ‬إلى ‬النهاية، ‬ومن ‬النهاية ‬إلى ‬البداية. ‬والتأويل ‬هنا ‬ضد ‬القطيعة ‬المعرفية ‬التي ‬وردت ‬من ‬باشلار ‬وفوكو ‬إلى ‬الثقافة ‬العربية ‬المعاصرة، ‬خاصة ‬في ‬المغرب، ‬ثم ‬أصبح ‬تعبيراً ‬جذاباً ‬شأنه شأن مفهومي «‬النظام ‬المعرفي» ‬و«‬الابستيمة».
مهمة التأويل هنا تجاوز مسافة الزمن والتطور والتاريخ، والعيش في البنية من الزمان إلى الخلود، ومن التاريخ إلى الميتافيزيقا. وتلك وظيفة قصص الأنبياء ضِمن مسار واحد في التاريخ، لرؤية البنية والاكتمال، ولرؤية النشأة والتطور. وهذا هو معنى الإكمال في قول المسيح: «ما جئت لألغي الناموس بل جئت لأكمله». 
إن أحد مكتسبات الفلسفة المعاصرة، بل وأحد أسباب نشأتها وازدهارها، هو رؤية القديم في مرآة الجديد، بعد أن حاول ديكارت أن يفصل بينهما من أجل إنهاء العصر الوسيط والبدأ ببداية جديدة خالصة، من العلم وليس من المعلومات، من اليقين الداخلي وليس من الصدق الإلهي. وكان عصر النهضة قبل ذلك بقرن قد جاهد في سبيل القطيعة لاستحالة المصالحة بين القديم والجديد، بين أرسطو وبطليموس من ناحية وبين مكتشفات العلم الحديث عند كبلر وجاليليو من ناحية أخرى، وبين الحق الإلهي (أو الثيوقراطية) في العصر الوسيط من ناحية والعقد الاجتماعي والدستور والبرلمان في العصر الحديث من ناحية أخرى.
ونظراً لقوة الانقطاع بين القديم والجديد في عصر النهضة وبداية النقد التاريخي للنصوص المقدسة في القرن السابع عشر وبلوغه الذروة في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين مع «مدرسة الأشكال الأدبية»، بدأ العود إلى اكتشاف النص ورد الاعتبار له، وإنشاء علم بأكمله خارجاً من الهرمنيطيقا التقليدية، وهو «علم النص»، وبعض علوم اللغة المساندة مثل «علم العلامات» (السميوطيقا)، وعلم الدلالات (السيمانطيقا)، ودراسة ظواهر «التناص» والقص.
وتتم «القراءة» داخل الحضارة نفسها وداخل المدرسة نفسها لإثبات وحدتها الثقافية مثل تأويل اسبينوزا لديكارت في «مبادئ فلسفة ديكارت»، وتأويل الفلاسفة بعد كانط لفلسفة هذا الأخير، مثل فشته وهيجل وشلنج وشوبنهور، ثم تأويل الكانطيين الجدد لكانط مثل كوهين وناثورب وكاسيرر وجادامر وماركوز، وتأويل الهيجليين الشبان لهيجل مثل شترنر وماركس وباور وشتراوس، وتأويل هيدجر لنيتشه وهوسرل وشلنج ودنز سكوت وهيلدرلين وهيجل، وتأويل فلاسفة الوجود للظاهريات عند هوسرل مثل هيدجر وياسبرز وميرلو بونتي وسارتر ومارسل وغيرهم.
وقد يكون التأويل بين ثقافتين متعاصرتين كالفرنسية والألمانية داخل الحضارة الواحدة (الحضارة الغربية)، مثل تأويل ميرلو بونتي لجولد شتاين في «بنية العضو الحي»، وتأويل رينوفييه في فرنسا لكانط في «الكانطية الجديدة»، وكروتشه في إيطاليا لهيجل، وبوزانكيه وماكتاجارت لهيجل في بريطانيا، وروزميني لكانط في إيطاليا، وكيركجارد لهيجل في الدانمارك.. إلخ.
وقد يمتد التأويل كي يصبح بين حضارتين، حضارة جديدة تؤول حضارة قديمة. فالفكر الإنساني جامع بين الحضارات وذلك مثل تأويل ناثورب لنظرية المثل عند أفلاطون، وتأويل جادمر لأفلاطون، وتأويل هيدجر لأرسطو، وتأويل مارسل لسقراط وتسمية فلسفته «السقراطية الجديدة»، وتأويل حكماء المسلمين لفلاسفة اليونان.
إن الغاية الباطنية من التأويل هي التأكيد على وحدة الذات والموضوع من خلال النص الذي يصور الموضوع من خلال المؤلف ويفهمه الوعي من خلال القارئ. والتأويل حوار بين المؤلف والقارئ حتى ولو اختفى الموضوع وأصبح التأويل مجرد حوار بين الذوات.

*أستاذ الفلسفة -جامعة القاهرة